يشكل تسيير الأزمات على المستوى المحلي أحد أهم التحديات المطروحة للنقاش في لقاء الحكومة-ولاة الذي يشرف عليه رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون.
اللقاء مطالب بالتفكير في طرق الوقاية ونمط التسيير والتدخل للخروج من الأزمة، لوضع استراتيجية استجابة تُسرّع عملية التعافي والعودة إلى الوضع الطبيعي.
خمس ورشات لتقييم السياسات العامة
ويعرف هذا اللقاء خمس ورشات لتقييم السياسات العامة التي تم الانطلاق فيها، خصوصا مع تسجيل أزمات تتطلب التحليل والتدقيق قصد الخروج بمقترحات تستجيب لمتطلبات المواطنين، عبر تحقيق التنمية المستدامة وإنعاش الاقتصاد الوطني.
وفي هذا الإطار، تطرح ورشة “تسيير الأزمات على المستوى المحلي (الحرائق، الإجهاد المائي، جائحة فيروس كوفيد-19)، إعادة التفكير في طرق الوقاية والتنسيق والتدخل)، إشكاليات تحمل رسائل تحذيرية وتحديات غير مسبوقة، وتبقى طرق ووسائل رد الفعل في هذا الجانب غير كافية لاسيما من حيث الخبرة والاتصال ودمج مختلف خطط الطوارئ التي يجب وضعها.
ولعل من أسباب عرقلة تسيير الأزمات الصحية والاجتماعية، نقص المعلومات والمعرفة الكافية لأوقات الأزمات وحتى أسبابها وآثارها الفورية أو على المدى الطويل، والطابع التطوري للتهديد إلى جانب تعدد المتدخلين بحيث يمكن أن يكون عاملا لعدم الاستقرار.
وفي ذات السياق، تعد المشاكل المتعلقة بالاتصال وآجال رد الفعل مع ضرورة اتخاذ قرارات سريعة في ظل غياب التدابير الطارئة المتاحة، من بين المسائل المطروحة خلال هذه الورشة، اضافة إلى نقص أدوات وتقنيات التسيير لتحسين القدرة على توقع الأزمات وكيفية التعامل معها، وكذلك فإن الأضرار التي تسببها المخاطر الكبرى سنويا تكشف بأن الخطر وعامل الهشاشة لم يتم تقييمها بدقة وهذا بسبب وجود خلل في الرقابة وتطبيق القواعد التي تهدف إلى الحد من الهشاشة.
ويناقش المشاركون في هذه الورشة إعادة التفكير في نمط التسيير ومسؤوليات كل هيئة إلى جانب إمكانية تعبئة كل القوى للخروج السريع من الأزمة بما يتناسب مع التحديات التي يتعين مواجهتها مع تعزيز قدرات التنسيق العملياتي والتنظيمي.
مراكز عمليات طوارئ
ويشكل وضع مراكز عمليات الطوارئ على المستوى المحلي، تكوين وتجهيز الجماعات المحلية وتعزيز البنى التحتية وتعزيز قدرات الفاعلين على مختلف المستويات محل نقاش في هذه الورشة التي تتناول إجراءات وقواعد تقييم المخاطر، إنشاء نظام مراقبة مجتمعي، تحيين وتكييف مخططات تنظيم النجدة وتسيير زخم التضامن الوطني وقت الأزمة ودور المجتمع المدني في التدخل.
ويستهدف نقاش هذه الورشة تحديد سبل تسيير الازمة قصد مكافحتها ومساعدة المنكوبين في أسرع وقت ممكن، مع إجراء تقييم للأضرار الناجمة والتحضير لمرحلة التعافي والعودة إلى الوضع الطبيعي.
ويسعى إلى ضمان استمرارية وصول الخدمات العمومية وقت الأزمة، وضع إستراتيجية استجابة، تفعيل خلايا الأزمة والتحكم في مسألة الخبرة والمعلومات الإعلامية والتسيير الرقمي لمخططات تنظيم النجدة والاحتياطيات الاستراتيجية.
استخدام وسائل وتقنيات جديدة للتدخل
ومن بين الأهداف المسطرة بهذا الخصوص، استخدام وسائل وتقنيات جديدة للتدخل في الكوارث وتسييرها (الوسائل الجوية، نظام رسم الخرائط، نظم المعلومات الجغرافية والاتصالات)، وضع نظام وطني لليقظة والإنذار المبكر وعلاج ما بعد الأزمة والعودة بشكل أفضل إلى الوضع الطبيعي.
للإشارة، ينظم لقاء الحكومة/ ولاة الذي يشرف عليه رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، على مدى يومي السبت والأحد تحت شعار “انعاش اقتصادي، توازن اقليمي، عدالة اجتماعية”، ويعرف مشاركة أعضاء الحكومة وولاة الجمهورية وممثلي غرفاتي البرلمان إلى جانب الاطارات المركزية لمختلف القطاعات الوزارية والهيئات العمومية.
المناطق المعزولة وطموح الإنعاش
يطرح على طاولة نقاش لقاء الحكومة بالولاة الذي انطلقت أشغاله، اليوم السبت بقصر الأمم (الجزائر العاصمة)، وضعية المناطق المعزولة وبحث أصلح السبل لتحقيق تنمية إقليمية متوازنة.
ويناقش المشاركون في الورشة الثانية خلال هذا اللقاء، إمكانية اعتماد مقاربة شاملة ومدمجة تهدف إلى التدخل السريع والفعال في المناطق الأكثر هشاشة وصياغة مشاريع مدمجة ذات بعد اجتماعي.
ويهدف هذا المسعى إلى إحداث تغييرات ملموسة لتوفير حياة كريمة وعادلة لسكان هذه المناطق ومرافقة التحولات المنتظرة على مستوى الأقاليم من أجل الرفع من الديناميكية الإقليمية المرتكزة على تنمية حقيقية، لا سيما على مستوى الولايات العشر المنشأة حديثا.
كما يهدف إلى دعم المبادرات المحلية التي من شأنها أن تحرر الإمكانيات التي تحوزها هذه المناطق وتحسين جاذبية ولايات الجنوب والهضاب العليا والقضاء على عزلة السكان في المناطق المتناثرة والمعزولة والجبلية.
وتبرز في ذات السياق، أهمية تحسين وتقديم الخدمات المتعلقة بالصحة والتعليم والشباب وتنويع القدرات الاقتصادية للمناطق المعزولة لتوفير فرص العمل، مع إعادة تفعيل محركات التنمية في المناطق الجبلية والمناطق الحدودية واستدراك وترقية المناطق المراد تطويرها.
وترمي مختلف الجهود المبذولة في إطار تحقيق التنمية المحلية في الإدماج الملائم للمناطق المراد تطويرها في سياسة التنمية الوطنية.
تكييف برامج التنمية المحلية
يناقش المشاركون في لقاء الحكومة-ولاة الذي افتتح اليوم السبت بنادي الصنوبر، الجزائر العاصمة، ويدوم يومين، كيفية تكييف برامج التنمية المحلية، وذلك باعتماد مقاربة جديدة أكثر ابتكارية وتشاركية.
ويتطرق المسؤولون والخبراء المشاركون في الورشة الأولى المنظمة في إطار الاجتماع، بعنوان “تكييف برامج التنمية المحلية”، إلى إمكانية التفكير في مقاربة جديدة للتنمية المحلية حيث يجب أن “تفتح آفاقا من أجل وضع إطار جديد للتصميم، التشاور، التنفيذ ومتابعة وتقييم برامج التنمية المحلية”.
وينبغي أن تتجسد هذه الرؤية الجديدة في التنمية المحلية، عبر مقاربة “متعددة الأبعاد” تتسمم بالانسجام والشفافية.
وتشمل هذه المقاربة في بعدها الاقتصادي، تثمين الموارد البشرية والطبيعية والممتلكات المحلية ودعم الأنشطة الاقتصادية المنتجة، مع ضرورة تقليص الفروقات في التنمية بين الولايات وحتى بين المناطق والجماعات في نفس الإقليم.
وتتضمن ترقية الأنشطة الاقتصادية المتوافقة مع طبيعة الأقاليم وترقية الشغل والأنشطة الخالقة للثروة.
أما في بعدها الاجتماعي، فإن هذه المقاربة ينبغي أن ترتكز على تحسين فعالية البرامج والأجهزة الاجتماعية لضمان الاستقرار الاجتماعي وضمان المساواة في الحصول على الخدمات والمزايا الأساسية (الصرف الصحي، المياه الصالحة للشرب، الكهرباء، الغاز، الاتصالات، الصحة، التعليم، التكوين، النقل، الرياضة، الأنشطة الترفيهية.
وتعتمد على محاربة الفقر والإقصاء والتفاوتات الاجتماعية والجغرافية ودعم الفئات الهشة.
ويستوجب تنفيذ هذه المقاربة، ترتيب الأولويات بصورة وظيفية للإقليم من خلال الأخذ بعين الاعتبار مستوى المناطق الريفية ومستوى المناطق الحضرية، إلى غاية المستوى الجهوي.
وتستند هذه الرؤية بالأساس على البعد التشاركي، حيث تبرز أهمية تعزيز أطر مشاركة المواطنين في مجال التنمية المحلية، مع الاستخدام العقلاني للفضاءات والموارد الطبيعية.
ولتحقيق هذه الأهداف، فإنه من الضروري الابتعاد عن المقاربات القطاعية ذات التأثير المحدود، للتوجه نحو تصور أكثر تكاملية وشمولية، فعال وكفء بهدف التكفل بشكل أفضل بالاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية للأقاليم.
ويتم ذلك من خلال تقييم سياسات التنمية الاجتماعية والاقتصادية المحلية، مع التركيز على النتائج المحققة عن طريق تحليل المعوقات التي واجهتها، بطابع استشرافي حول الدروس المستخلصة ووسائل تسريع التحولات للاستجابة بفعالية لاحتياجات السكان وإرساء قواعد تنمية محلية متجددة.