الشكوى في اتجاه واحد تولّد شعورا وهميا، دائما، بوجود «أنا ضحية» و»هو غالط»، وبين الـ»أنا» و الـ»هو»، ترتفع الأسعار بشكل جنوني، يهدد الاستقرار الاجتماعي، الذي يردده من يحملون معاول الهدم ويقاومون التغيير، متى اشتموا رائحته، لكنهم يفعلون عكس ما يقولون..
بين ضمير المتكلم وضمير الغائب، تسبح ذئاب بشرية ترفض الاستقرار، عن وعي أو بغير وعي، الجشع عندها لا يتوقف عند تحصيل الملايير في ساعات من المضاربة، ولا تكتفي بـ»احتكار» ميدان من ميادين رسخت فيها أقدامها، في السنين الماضية..
هي ذئاب حرّكت منعكسات شرطية بافلوفية لدى فئات اجتماعية تمارس نشاطات تجارية، ومن حين لآخر تتقاطع مع السياسة، فيكبُر طمعُها، بعدما عرفت «سهولة الحصول» على مقابلات مادية، متى دعّمت هذا المترشح في الانتخابات أو ذاك.
وبالرغم من قطع دابر هذه العلاقة، قانونا، لكن الممارسات تصيحُ صباح مساء بوجود نفس الروابط المخيفة بين مالك المال، الرافض للتغيير، ومن يحومون حوله لغايات في أنفس العراقيب، و»الجاكوبيين»، الذين لم يسلم منهم قمح الجزائريين و»فارينتهم»، ولم تسلم من خططهم الإغراقية، عناصر الهوية، ولا أجيال لم تكبر على نصوص فيها ابن باديس ولا أسماء أخرى غرست في هذا البلد مقدمات: الجزائر أولا.. من العربي بن مهيدي الى آخر مجاهد، غير معروف الإسم، لكن معروف الشهادة، سقط دفاعا عن بلد سقته دماء ما يزيد عن مليون ونصف المليون شهيد.
يدخل الخضار فيزيد في الأسعار، ولا أحد يثنيه على الزيادة، بالترك من الزبون او العقاب ممن له سلطة مباشرة عليه..
نفس الـ»أنا» يحرك عويلا طويلا من الخضار تجاه فئات نشطة أخرى، فيعلق تبريراته على جزّار يرفع الأسعار، وقهواجي «يزيد في السومة»، وبائع بقوليات ضرب أرقامه في إثنين، ولا احد من هؤلاء فاهم لعبة من يشد حبل معاوية الذي تصلب ولم يعد بالمرونة التي عرفتها البشرية عنه، يوم كان للتاجر حرمة وأخلاق، ولمفتش الأسواق «كلمة»..
في النهاية، الشكوى تتحول الى وسيط خاص وغريب، بين مكونات شاكية، صنفت نفسها في باب الضحية، من البطال الى الميلياردير، وهي صورة كاريكاتورية مخيفة، عن تغول «الأنا»، غير الخاضع لسلطان الأخلاق، والمتحايل على القانون، طالما ان التهرب الضريبي أصبح خطرا على الدولة ومشاريعها، وأشياء أخرى..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.