قدم بيان رئاسة الجمهورية ردّا غير مسبوق على تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. ولن يكون مبالغة القول، إنه من أقوى البيانات في تاريخ مؤسسة دستورية وطنية بحجم رئاسة الجمهورية.
البيان، وناهيك عن الدروس الأخلاقية والسياسية التي وضع بها شخصا يشغل منصبا ساميا بقيمة رئيس فرنسا، في خانة الجاهل بالتاريخ والمتعدّي على ذاكرة أمة، لأسباب لا يمكن وصفها بالهستيرية غير المبررة والاسترضائية للوبيات اليمين المتطرف، قدم، لأول مرة، رقما دقيقا لعدد الشهداء الذين سقطوا وهم يحملون بنادق ورايات الجهاد ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم.
وهذا الرقم هو 5.630.000 شهيد، ماتوا وهم يدافعون عن أرضهم خلال ثورات المقاومة الشعبية أو خلال الثورة التحريرية المجيدة. والرسالة من الإفصاح عن هذا العدد قوية، وجاءت في الوقت في المناسب. ففرنسا التي تحتجز الأرشيف الوطني لفترة ما قبل 1830، وتستغل الأمر للتشكيك في وجودية الأمة الجزائرية قبل هذا التاريخ، لن تحجب أبدا حقائق التاريخ، ولن تمنع الجزائريين من معرفة وكتابة تاريخهم.
ومثلما حاولت، على مدار أزيد من 130 سنة، طمس كل أثر لأمة اسمها الجزائر، لن تستطيع، بإخفائها الأرشيف الوطني واحتجازه، محو عارها المشين من ذاكرة الجزائريين، ولن تتمكن، مهما حاولت، من تبرير الفعل الاستعماري الشنيع لأي جيل من الأجيال، كما تحاول عبثا مع الجيل الثالث في الوقت الراهن.
لقد تمكن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، من إعادة رسم محددات ملف الذاكرة مع فرنسا، مثلما أعلن عنه في رسالته بمناسبة إحياء ذكرى مجازر الثامن ماي 1945، العام الماضي. حيث أكد حينها، أن استعمار فرنسا للجزائر، لا يمكن أبدا اختصاره في فترة السنوات السبع للثورة التحريرية، ومحاولة جهات معروفة تبييض ما قبلها، وقد وصل بها الأمر اليوم، إلى محاولة تبرير الاستعمار بعد تمجيده، ونكران تاريخ أمة كاملة.
لقد أكدت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أنه هو “العالق” في نظام فرنسي، متشبع بعقيدة الضغينة والنكران تجاه الجزائر المستقلة، فقد ارتمى في النهاية في حضن أشد اللوبيات كرها للجزائر، بعدما تمظهر منذ 2017، بصاحب النظرة الصريحة للماضي الاستعماري لبلاده، واعتباره ما قام جرائم ضد الإنسانية، ليعود في النهاية إلى المربع الأول؛ مربع نظرة الهيمنة المبتذلة والمرفوضة رفضا قاطعا.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.