عندما يتعلق الأمر بالمغرب فإنّ النّكسات لا تأتيه فرادى، فبين كلّ نكسة وثانية هناك ثالثة ورابعة وأكثر، الضّربات تسقط على رأسه من كلّ جهة والطّعنات تخترق جسده المتعب من كلّ مصدر، وهو يتخبّط كالذبيح قبل أن يخرّ صريعا أمام قدره، وأمام قوّة الحق والقانون والشرعية التي لا يصمد أمامها من يستبيح أراض الناس وثرواتهم، وحقوقهم.
الهزائم تلاحق المخزن من الأصدقاء قبل الأعداء، فالكلّ أصبح يرفض مجاراته في خروقاته واغتصابه للشرعية الدولية، والجميع بات رافضا لسياسته الاستعمارية التي فصلت فيها القرارات واللّوائح الأممية مند عشرات السنين عندما أقرّت بأنّ الصّحراء الغربية من الأقاليم المحتلّة المعنية بتقرير المصير والاستقلال.
لقد اعتقد المغرب أنّه بارتمائه في الحضن الصهيوني وحصوله على إعلان من ترامب يزكّي احتلاله للصحراء الغربية، قد كسب المعركة والحرب كلّها وبأنّه بات سيّدا على الأراضي الصحراوية المحتلة، لكن غاب عنه أن اللعنة ستطارده وتمرّغ أنفه في الوحل لتجنيه على الحق الصحراوي الشرعي، وخيانته لقضية فلسطين العادلة.
لم تدم فرحة المخزن طويلا بما اعتقد أنّه جناه من بيع نفسه للصهاينة، ليستفيق على صفعات موجعة أيقظته من أحلامه الوردية على حقيقة حبست أنفاسه بعد أن وجد العالم كلّه ينأى بنفسه عن إعلان ترامب، ويؤكّد التزامه بالشرعية الدولية التي تقرّ بأن القضية الصّحراوية مطروحة للتسوية في الأمم المتحدة، ولا أحد بإمكانه حلّها على مقاسه بقرار أحادي، أو بجرّة قلم حتى لو كان هذا القلم للرئيس الأمريكي.
وقد أتته أشدّ صفعة وأكثرها إيلاما من ألمانيا التي كان يعتقد بأنه وضعها في جيبه منذ زمان، عندما وقف مندوبها في الأمم المتحدة كريستوف هيوسجن خلال مشاورات مجلس الأمن حول الصحراء الغربية في ديسمبر الماضي ليقدم إحاطة شاملة وواضحة عن جذور القضية الصحراوية وتطوّراتها، ويبلغ الجميع كيف تلاعبت المملكة المغربية باللوائح الأممية وأجهضت استفتاء تقرير المصير، الذي كاد يتجسّد على أرض الواقع لولا أن المخزن ملأ قوائم الناخبين بمستوطنيه الذين جرّهّم في يوم أغبر لاحتلال الأراضي الصحراوية مباشرة بعد انسحاب الاحتلال الإسباني.
الموقف الألماني الشجاع أخلط حسابات المغرب، كما أخلطها أيضا الموقف التي اتخذته برلين بإبعادها الرباط عن حضور مؤتمر برلين حول الأزمة الليبية، فألمانيا تعلم جيّدا أن التدخل المغربي في الملف الليبي كان ليعمّق الأزمة لا ليحلّها، تماما كمواقف العديد من الدول.
ليست ألمانيا فقط من أجهض فرحة المخزن بتطبيعه مع الصهاينة وانتزاعه لاعتراف غير الشرعي من ترامب، فإسبانيا هي الأخرى رفعت درجة غضب المغرب إلى عنان السماء، ودخلت معه في أزمة مازالت إرهاصاتها قائمة على خلفية استقبال مدريد للرئيس الصحراوي قائد جبهة «البوليساريو» إبراهيم غالي للعلاج، قبل أن تتعمّق بعد تدفق نحو 8 آلاف مهاجر مغربي غير نظامي إلى مدينة سبتة الإسبانية.
ولأنّ الطّعنات لا تأتي فرادى، فإنّ الضّربة المزلزة سقطت على رأس المغرب من محكمة العدل الأوروبية، وهو إلى الآن لم يستفيق من وقعها.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.