ما يحدثه كوفيد-19 من مآسٍ للبشرية وتعطيل للاقتصاد، لا يقل خطرا عن ما تخلفه تصريحات تستهدف الذاكرة، آخرها ما صرح به الرئيس الفرنسي محاولا الاستثمار في مسائل الذاكرة للتموقع في مشهد الانتخابات الرئاسية الفرنسية العام المقبل، وسط تصاعد مخيف لخطاب الكراهية تجاه المهاجرين تحمله برامج مواقف لليمين على تنوع منابره.
لذلك بات من الضروري أخذ لقاح الذاكرة عن طريق احترام صفحات التاريخ والإقرار بأن الحقبة الاستعمارية كانت وباء آضر بالشعوب التي تمدد إليها فيروس الاحتلال ومنها الشعب الجزائري الذي عانى ويلات احتلال غاشم سبق لإيمانويل ماكرون، لدى زيارته للجزائر قبل سنوات، أن اعترف بهمجية الاحتلال الفرنسي وأعماله الإجرامية، قبل أن يتراجع تحت وطأة دعاة الاستعمار الجديد؛ عقيدتهم عرقلة كل جهود التقارب وتعطيل مسار بناء جسور تعاون قائمة على اعتراف صريح بالماضي وإعداد مناخ طلب اعتذار، مطلب قانوني وأخلاقي.
الذاكرة مسألة حيوية لأي شعب. وحتى في الضفة الأخرى، يلاحظ كيف تعود رموز المعارضة والطامحون للوصول إلى الإليزيه للتاريخ والتلاعب بمراحله، بما في ذلك ممارسة عدوان فظيع على ماضي الشعب الجزائري، عنوانه مقاومة الاحتلال الفرنسي بكل ما تطلبه ذلك من تضحيات وتحمل للقهر والإبادة، في محاولة يائسة لطمس تلك الحقبة، تبقى تطارد أصحابها، كما يطارد كورونا من ليس لديهم مناعة.
حقيقة تحتاج الذاكرة إلى لقاح، هو النظر للتاريخ بأعين متفتحة، لا مجال فيها للقفز على الحقائق، حتى تستقيم معادلة شراكة متوسطية سليمة تستوعب كل الملفات وترسم معالم حلول موضوعية وعادلة محورها حقوق الشعوب، بما في ذلك حق الذاكرة وصونها من أي عدوان مهما كانت الأسباب؛ ذلك أن التهجم على ماضي الشعوب يعكس عقدة تعاني منها النخبة في الضفة الأخرى، في محاولة للالتفاف على مشاكل تعاني منها باريس وقد تدفع بحكامها إلى خارج دائرة السلطة، إذا لم يصحح صاحب الخطيئة جرمه، وهو يدرك أن الجزائر شقت طريق التغيير بالمفهوم الشامل، بما في ذلك تفكيك البنية القاعدية لنمط علاقات تقليدية مجحفة وإرساء نمط علاقات تعاون جديدة قوامها المصلحة المشتركة والوضوح، والأكثر أهمية أيضا حماية الذاكرة.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.