حينما يحذّر المسؤول الأول في البلاد من الاقتصاد الموازي، وما يسببه من خسائر للاقتصاد الوطني، فإنه لا يتحدث فقط عن ظاهرة داخلية ومحلية، كونها صارت، للأسف، إحدى صفات الاقتصاد العالمي في نسخته “المتحورة”… عفوا، المتحررة..
لقد بتنا معتادين على أن تخرج علينا تحقيقات صحافية، وحزم من الوثائق المسربة، كان آخرها ما أطلق عليه وثائق باندورا أو “باندورا بايبرز”، لنكتشف طول القوائم التي تضمّ أسماء سياسيين، ومسؤولين، و«رجال أعمال” ومليارديرات، يهرّبون أموالهم، أو يشترون عقارات خارج بلدانهم بواجهات وهمية، وما إلى ذلك من ممارسات تحرم الدول من فرص التنمية، وتحرم الشعوب من حق العيش الكريم.
من الغريب أيضا، إطلاق أسماء مثل “الجنة الضريبية Tax haven” و«الملاذ الضريبي” على “المغارات”، حيث تُكدَّس ثروات التهرب الضريبي والفساد وغسيل الأموال.. فالملاذ ملجأ من الاضطهاد والظلم، وكأن الفاسد هو الضحية، والجنة ثواب الصالحين، وكأن الفساد عمل صالح!
ولكن الجديد في هذه الممارسات ــ كما أشارت إليه وسائل الإعلام العالمية مؤخرا ــ هو تحوّلها إلى “موضة”، وتعميمها بحيث لم تعد تقتصر على الأثرياء، إذ صار بإمكان أيّ “متهرّب ضريبي” أو هارب من قوانين بلده اللجوء إلى هذه الجنّات… ولعلّ أخطر ما في الفساد تحوّله من استثناء وجب محاربته، إلى قاعدة وجب احترامها وتعميم العمل بها.
فيما مضى، كنا نروي قصة علي بابا والأربعين لصّا، والمغارة المليئة بالكنوز… اليوم، صارت المغارة مغارات، واللصوص أصحاب شركات، ويتحدّثون شتّى اللغات..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.