صنعت تونس الاستثناء في العالم العربي، وكانت القاطرة لعملية التغيير التي أطلقتها من شوارع وأزقة سيدي بوزيد، لتتلقّفها العديد من البلدان العربية برغبة ملحة من شعوبها في تشييد ديمقراطيات تعيد لهم كرامتهم وحقوقهم وتحسّن ظروف عيشهم.
الاستثناء الثاني الذي صنعته تونس، أنها وبخلاف من جرفهم ما يسمى بـ «الربيع العربي» ليغرقهم في أنهار من الدم، فإنها نجت بذكاء من السقوط في الفوضى والاحتراب الداخلي، ومضت تبني نظامها الجديد وفق تطلعات شعبها الذي بين للعالم أجمع بأنه يملك من الوعي والمسؤولية ما يكفيه لصون ثورته وحمايتها من كل الدخلاء الذين قد يسعون للسطو على ثمارها.
لم تتبع تونس طريق سوريا ولا اليمن ولا ليبيا، وحافظت على أمنها واستقرارها برغم الصعوبات الجمة التي اعترضتها، وبنت مؤسسات حكم جديدة عبر صناديق الانتخاب حتى أصبحت نموذجا يحتذى به في التغيير والانتقال السياسي الناجح.
وكانت الخطوة التالية، هي مواجهة التحديات التي تطرحها الأزمة الاقتصادية التي أخذت تتّسع يوما بعد يوم، ومعها كانت الأوضاع الاجتماعية تزداد سوءا، وفي ظل هذه المصاعب التي ضاعفها الوضع الصحي المتدهور، بدأت الخلافات السياسية تطفو إلى السطح، وارتفعت حدة التجاذبات والاهتمامات المتبادلة، بل وتحوّلت في بعض الأحيان إلى صدامات وتشابك بالأيدي داخل مبنى البرلمان، وطبعا في ظل هذه الظروف، يخرج متصيدو «الثورات» من جحورهم للإجهاز على المكاسب المحققة، وهذا ما حصل في الشقيقة تونس، التي دخلت في السنتين الأخيرتين انسدادا سياسيا كاد أن يأتي على كلّ شيء، ما اضطر الرئيس قيس سعيد، ليتخذ زمام المبادرة مستندا إلى القانون والدستور لتصحيح مسار الثورة، وإعادة قطار التغيير إلى مساره الصحيح.
سعيّد الذي أقر إجراءات استثنائية في جويلية الماضي لإنقاذ البلاد من الأزمة التي تتربص بها، أكد بأن قراراته كلها قانونية وهدفها الوحيد هو «تنظيف» البلاد وثورتها من كلّ الشوائب التي علقت بهما، وتجاوز الصراع على السلطة الذي بدأ يلوح في الأفق، لأن تونس تنتظرها الكثير من التحديات الواجب التركيز عليها، لعل أهمها، النهوض بالاقتصاد الذي يعيش نكسة حقيقية خاصة مع تدهور قطاع السياحة الذي يعتبر عموده الفقري.
لا شك أن المرحلة التي تقطعها تونس صعبة، لكن الشعب التونسي الذي صنع أنجح الثورات وتفادى الانزلاق إلى الحرب والفوضى، قادر على تحويل كل التحديات إلى انجازات وانتصارات.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.