بقدر ما توفره مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر، من تسهيلات وخدمات في جوانب الحياة المختلفة لمواطنين ومهنيين ومؤسسات، غير أنها باتت بيئة خصبة لصناعة وترويج “سموم” ظاهرة الـ”فايك نيوز”..
ظهور استخدمات اتصالية جديدة ارتبطت بالتطور الفائق لوسائط التواصل الاجتماعي، تتيح الوصول إلى جماهير دون الحاجة إلى وسائل الإعلام التقليدية، حيث لم يعد الصحفي وحده من ينقل خبرا، وتحولت هذه الوسائط الرقمية، منها “فايسبوك” -الأكثر استعمالا في الجزائر- إلى أدوات أساسية للوصول إلى أعداد كبيرة من الجماهير.
الوسائط الرقمية، فضاءات يبحر فيها ملايين المستخدمين بسهولة دون الحاجة لمهارات تقنية أومستويات علمية عالية، ما بات يطرح معضلات حقيقية معقدة تتعلق أساسا بـالـمسؤولية الاعلاميـة في تحقيق “الأمـن الإعلامي” وتحديات تحصين الرأي العام من أسلحة ما يعرف بـ “حـروب الـجيل الـرابـع”، خاصة وأن ما ينشر يصعب التحكم فيه، ويمكن أن يصل إلى مئات الآلاف من المتابعين، بل الملايين، في ظرف دقائق معدودة.
ضحايا..
كم كانت صدمة الشابة ي.م (21 سنة / الجزائر العاصمة) كبيرة، وهي تشاهد اسمها يتداول في عشرات الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الكترونية، في قائمة للسكن اجتماعي.
مروجو هذه القائمة ربطوا اسم الشابة بفضيحة منح سكن اجتماعي لغير مستحقيه، غير أن الحقيقة عكس ذلك تماما، الفتاة لم تستفد من سكن اجتماعي وأُدرجت في خانة استفادة مع شخص يدعى ي.رابح، الذي يكون والدها بالتبني.
“الخبر الكاذب” الذي نشرته عشرات الصفحات، يحمل اتهامات للسلطات المحلية والشابة التي كانت ضحية نشر ملعومات دون التحقق منها.
نماذج خطيرة
في حديثنا عن مخاطر “فايك نيوز”، نرصد أمثلة توضح كيف حاول مروجوها التأثير والتلاعب بعقول جزائريين لأهداف وغايات معينة، منها:
– فبركت بيان ونسبه للمديرية العامة للأمن الوطني، نُشر بتاريخ 27 مارس 2021، تضمن ادعاءات كاذبة تخص استعمال مصالح الشرطة لغاز ممنوع دوليا ضد مواطنين خرجوا للتظاهر سلميا.
-بتاريخ 20ماي 2021، روجت صفحات وحسابات على “فايسبوك” بيانا نُسب لوزارة الداخلية والجماعات المحلية، يفيد استلام مصالح الوزارة لرخصة تنظيم مسيرات يوم الجمعة.
حالات كثيرة تخص ترويج أخبار كاذبة ومضللة، فمواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر، باتت تعج بكثير من هذه السموم، منها ما يحمل محتويات خطيرة.
نشير إلى أن نشر وترويج “فايك نيوز” يأخذ أشكالا عديدة: صور، فيديوهات، تحريف وتزييف تصريحات لمسؤولين، تزوير وثائق وبيانات لمؤسسات رسمية، نشر فيديوهات حدثت في فترات ومناسبات ماضية وربطها بقضايا وأحداث راهنة.
مروجو الأخبار الكاذبة يستعملون طرقا عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي، منها تزييف اسم وشعار صفحات لمؤسسات عمومية، هيئات ومنظمات نقابية، وسائل إعلام ومسؤولين.. إلخ.
وفي هذا المثال نذكر نموذجا تداول على نطاق واسع (أفريل 2021)، يخص نشر وترويج خبر كاذب “تأجيل شهادة بكالوريا 2021 بسبب انتشار السلالة الهندية لفيروس كورونا” باستعمال صفحة مزيفة لنقابة.
تقصي الحقائق
في الموضوع، يتحدث رئيس تحرير جريدة le maghreb، الصحافي مـحمد والـي لـ”الشعب أونلاين”، عن مسؤولية الصحافي في الحد من انتشار الأخبار الكاذبة، ويشير إلى الدور الاستباقي لرجال الاعلام في قطع الطريق أمام “سموم” هذه الظاهرة الخطيرة، خاصة – يقول – يجب “على الصحافيين أن لا يكتفوا فقط بتفادي الوقوع في فخ نقل أخبار غير صحيحة أو لا تتطابق مع إحدى تفاصيل الخبر، بل الإسراع في تكذيب أي محتوى كاذب”.
بالنظر إلى التداعيات الخطيرة التي تنجم عن نشر وترويج محتويات كاذبة، يؤكد المتحدث لـ”الشعب أونلاين”، حرية الصحفي تقتضي أيضا ضرورة التحلي بالمهنية في تقصي الأخبار، والمشاركة في أي فعل يسمح بمكافحة الأخبار الكاذبة، ويقول: “هنا نتحدث عن مسؤولية اجتماعية ملزمة للصحفي بغض النظر عن زمان ومكان نشر المحتوى الكاذب”.
ويربط المتحدث المسؤولية المهنية والاجتماعية للصحافيين، على حد سواء، بالتداعيات الخطيرة لظاهرة الأخبار الكاذبة، التي باتت ـ حسبه ـ تهدد مصداقية العمل الصحفي، فكثيرا ـ يضيف ـ ما وقع صحافيون في مواقع الكترونية “ضحايا نشر أخبار مضللة”، كما ساهموا أيضا “في تنوير الرأي العام وكشف حقيقية أخبار متداولة لا أساس لها من الصحة”.
صناعة الأخبار الكاذبة، يحمل أبعادا سياسية واجتماعية واقتصادية خطيرة جدا، حيث سجلت الجزائر سنة 2020، “هجومات” من وسائل إعلام أجنبية معادية، من فرنسا والمغرب، وفي هذا الشق توجد أمثلة عديدة، نذكر منها “أكاذيب” نشرها موقع مجلة جون أفريك يوم 15 جوان 2021، تحت عنوان “السعيد شنڤريحة، في مهمة سرية بباريس لمناقشة قضية الساحل”، وهو ما فندته وزارة الدفاع الوطني جملة وتفصيلا.
حـرب الـجيل الـرابـع.. الرئيس تبون (فيديو):
أسلحة جديدة..
من جانب آخر، يدرج مختصون، التضليل الإعلامي، ضمن الأسلحة الجديدة، وتتخذ العديد من الأشكال، منها الترويج لأخبار مغلوطة لتمويه الرأي العام أو الاتجاه به في زاويا معينة لإحداث شرخ بين المواطن ومؤسسات الدولة، نشر العنف وخطاب الكراهية، وزرع الشك بين بين مؤسسات المجتمع.
الجزائر تعرضت – حسب أستاذ العلاقات الدولية البروفيسور ادريس عطية – لحملة تضليل واسعة، من جهات فرنسية، مغربية و الكيان الصهيوني، وحتى من دول كانت تتخوف من نجاح تجربة الحراك السلمي وتوجه الجزائر نحو تأسيس ديموقراطية، لذلك يوجد من حاول تحريك الشراع نحو منحى العنف.
ويرى عطية أن المنحنى التصاعدي لانتشار التضليل والأخبار الكاذبة أخد يتسع ويركز كثيرا على تزييف الحقائق خدمة لجهات معينة، من مصادر داخل الجزائر أو خارجها، وواصل قائلا: “معركة الأخبار الكاذبة يجب أن نراهن فيها على الوعي وتنوير الرأي العام.. مثلما نحتاج إلى عسكري لحماية الحدود نحتاج إلى أقلام لحماية الوطن وتحصينه لرفع منسوب الوعي لدى الجزائريين”.
الـتحول الـرقمي
يرى فريد فارح، أستاذ جامعي مختص في التكنولوجيات الرقمية، أنه على وسائل إعلام في الجزائر التكيف سريعا مع التحول الرقمي وأحدث تكنولوجيا الاتصال، حتى لا تتأخر في اكتساح الفضاء الرقمي وتغيب عن تزويد الجمهور بإمكانية الوصول إلى الأخبار الموثوقة عبر الإنترنت.
وفقا لما قاله فارح، بادرت مؤسسات إعلامية بخطوات لمجابهة الظاهرة والحد منها، ولجأت كبرى المؤسسات الإعلامية في العالم إلى تكوين فريق صحفي مهمته تقصي الحقائق والتدقيق في أي محتوى يثير الشك.
الاهتمام بالبحث عن الحقيقة – يقول- يجب أن يكون على رأس أولويات الصحفي، وبناء على ذلك يتوجب عليه في حال رصده لخبر أو تصريح على منصات التواصل ومشكوك في صحته، التحري وإفادة مؤسسته الإعلامية بالتفاصيل، وكل ذلك من باب المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية والمهنية.
مجابهـة التضليل..
يبرز فارح الأهمية البالغة للتحول الرقمي في لوسائل الإعلام : “الرقمنة ستحول غرفة الأخبار إلى ميدان تفاعل ما بين الجمهور والصحافيين المهنيين للوصول المبكر إلى اكتشاف أي معلومات خاطئة ومحاولة مواجهتها مبكرًا وتنوير المستخدمين.. أفضل من الانتظار حتى ينتشر المحتوى الكاذب.”
عن تداعيات الظاهرة ومخاطرها، يقول فارح: “العواقب الوخيمة للأخبار الكاذبة بإمكانها تهديد العناصر الأساسية لحضارتنا، بما في ذلك الانسجام الاجتماعي والصحة والأمن وسيادة القانون والديمقراطية من خلال النشر السريع والخبيث أحيانًا للمعلومات الكاذبة داخل الحدود الوطنية.
ويشير المتحدث لـ”الشعب أونلاين” إلى أن “الصحافة اليوم تعتبر أداة ذات أهمية كبيرة في مكافحة المعلومات المضللة عبر الإنترنت. وهذا ما سوف يعزز مصداقيتها وسمعتها من خلال التكيف مع الجانب الرقمي لتكثيف نسبة الجمهور المستفيد من خدمة التنبيه المبكر والاشتباه في تداول معلومات مضللة.”