منطقة أولاد شبانة التابعة لبلدية العنصر من بين المناطق الأكثر جمالا في الجهة الشرقية لولاية جيجل، حيث تغطيها الأحراش وأشجار الزيتون، البلوط والزان، وهو ما يؤهلها لأن تكون منطقة جذب سياحي، نظرا لتنوعها النباتي وكثافة أشجارها، ما يجعلها توصف بـ“أمازون الجزائر”، حيث يمكن أن تشكل منطقة نشاط اقتصادي ملفت، باستغلال غابات البلوط والزان، ومادة الفلين التي تزخر بها، والتي أصبحت اليوم من بدائل البترول.
رغم تواجد المنطقة ضمن تفاصيل هذه اللوحة الجميلة يعاني مواطنوها من نقائص كثيرة، بداية من تدهور الطريق، والنقص الفادح في مياه الشرب وانعدامها أحيانا، وانعدام الغاز الطبيعي، والمرافق العامة التي تحتاجها الساكنة، وهو ما جعلها في عزلة تامة عن العالم الخارجي.
لمراح تتوسط القرية
تتواجد قرية أولاد شبانة في أعالي بلدية العنصر، على الطريق المؤدي إلى بلدية بوراوي بلهادف، ومن مركز البلدية إلى جسر لملاقي، إلى قرية المحارقة، ومنها نتجه يمينا نحو أولاد شبانة، وصولا إلى منطقة “لمراح” كأول محطة.
هذه المنطقة التي تتوسط القرية، والتي تعتبر ملتقى السكان ونقطة لقائهم في الدكان الوحيد والمقهى المجاور له.
كانت مسيرة السيارة على مسافة 20 كيلومتر وطوال ما يقارب الخمسة والعشرين دقيقة ممتعة جدا وسط الغابات الكثيفة والأشجار والألوان الطبيعية الزاهية، رغم أن الفصل هو فصل الخريف، رغم وجود حفر وانكسارات تتطلب الصيانة والترميم.
يعاني سكان المنطقة الأمرّين، بدء من العزلة وانعدام أبجديات الحياة الكريمة، سواء بالنسبة لسكانها الدائمين أو حتى بالنسبة للعائدين إليها من مختلف أرجاء الوطن، ومن مركز البلدية “العنصر” أو من عاصمة الولاية جيجل. ويتواجد بهذه القرية أكثر من 800 نسمة موزعين على مشاتيها، والتي يمكن أن يرتفع عددهم إلى أكثر من 2000 نسمة في حالة عودة سكانها الأصليين.
مداشر مبعثرة تربطها طرق منكسرة ومهترئة
من مآسي سكان المنطقة تدهور طرقها ومسالكها إلى درجة استحالة سير السيارات في بعض محاورها، وهو ما يزيد من عزلتهم، فأولاد شبانة تتكون من مشاتي الناظور، لمراح، البلوطة، الشعابن، إيصبيعن، أولاد لعرابة، آخراط، الزياتن، الذراع والعميرة.. تربطها طرق ومسالك منكسرة ومهترئة.
ويطالب السكان بتهيئة الطرق والمسالك المؤدية إلى مشاتيهم، بغية تقريب المنطقة من العالم الخارجي، وتسهيل تنقل المواطنين منها وإليها، خاصة أن المنطقة عرفت تعبيد الطريق المؤدي إلى “أخراط” رغم أنه غير مهم بالنسبة لأغلبية السكان ولبقية المشاتي،
نقص مياه الشرب وانعدام شبكة الصرف الصحي
يقول محدثينا، أنهم يتزودون بالمياه الصالحة للشرب من الينابيع الطبيعية المبعثرة في أرجاء القرية، ومنها عين لعميرة، وهو ما يجعلهم دوما في رحلة بحث عن المياه، في مهمة صعبة، إضافة إلى ارتفاع تكاليف التزود بالمياه من الصهاريج، خاصة أن تكلفة الصهريج الواحد تقدر بحوالي 600 دينار جزائري، وهو ما يثقل “جيوب” المواطنين.
في هذا الإطار حدثنا مواطن قائلا: “إنني اضطر خلال فترة الصيف لإقتناء المياه بغية ملئ خزان المنزل حوالي 7 أو 8 مرات في الشهر”. ونظرا لحدة المشكل يطالب سكان القرية بضرورة الإلتفاتة إليهم، وتخصيص مشروع خاص لربط بيوتهم بشبكة توزيع المياه وتوفير هذه المادة الحيوية في بيوتهم، خاصة وأن القرية قريبة من سد يرجانة، الذي ممكن أن يستفيد سكان القرية من مياهه بدل حالة العطش التي يعيشونها.
في السياق، استنكر بعض محدثينا عدم توفر شبكة لصرف المياه القذرة، وهم ما يجعل الجميع مرغم على إنجاز حفر صحية، يمكنها أن تكون في المستقبل مصدر لأمراض وأوبئة، خاصة في حالة تسربها إلى العراء، أين يمكن أن تتحول إلى مجاري مضرة بالبيئة وبالحيوان معا وكذا الإنسان، وأن تصبح نقاطا السوداء بالنسبة لسكان القرية، تستدعي العناية والتدخل.
توفير التغطية الصحية
من المآسي اليومية أيضا لسكان القرية غياب التغطية الصحية، وما يزيد في ذلك صعوبة التنقل إلى المشاتي المبعثرة، التي تتواجد مسالكها في وضعيات رديئة، تحول دون وصول السيارات للمشاتي، وحتى سيارة الإسعاف أو الإطفاء في حالات الطوارئ.
ويستنجد سكان المشاتي بالسلطات المحلية، مناشدين إياهم التدخل لانجاز قاعة علاج، يمكن أن تقدم أبسط الخدمات كالحقن، أو الفحوصات، والتكفل الصحي بفئة الشيوخ، والنساء الحوامل، والأطفال. وأشار البعض أن أهالي النساء الحامل يضطروا للتنقل قبيل الولادة بأيام إلى سكنات أقارب في مناطق حضرية أخرى، تحسبا لوقوع أي مضاعفات تتعلق بالحمل، وبغية الحفاظ على صحة المرأة وصغيرها، كما يضطر سكان هذه المناطق إلى نقل مرضاهم إلى مركز البلدية بالعنصر، أو مستشفى بشير منتوري بالميلية.
المطالبة بتنمية وتوفير بعض الخدمات والمرافق.
ويستنكر سكان أولاد شبانة افتقادهم لأدنى مرافق الخدمة العمومية لتسهل يومياتهم، كمركز بريد، وفرع بلدي، وانعدام وسائل النقل، وهو ما يدفع بهم للمطالبة بتخصيص مشاريع تنموية، أهمها فتح وتهيئة الطرق والمسالك بالدرجة الأولى، وتوفير الإنارة حماية لهم ولممتلكاتهم من مختلف الأخطار.
كما يأملون في تحسين وضعهم بانجاز مشاريع سياحية في إطار السياحة الجبلية، واستغلال “غابة طاه مدران” العملاقة، التي تزخر بمختلف أنواع الأشجار، وأغلبها من نوع أشجار الزان الطويلة، حيث كانت هذه الغابة واحدة من قلاع المجاهدين في زمن الثورة التحريرية، التي كانت كثافة أشجارها تحجب رؤية طائرات الإستدمار الفرنسي.
ودعا سكان اولاد شبانة أيضا إلى ضرورة ترميم المدرسة الإبتدائية المتواجدة في المنطقة، التي تحولت إلى شبه مدرسة نظرا للخراب الذي أصابها وكأنها مأوى للأشباح. وعن انعدام إشارة الهاتف والأنترنت في كثير من أرجاء المنطقة، يطالب السكان بوضع حلول لإيصال هذه الخدمات إلى سكان المنطقة بكل مشاتيها.