تبقى الجالية الجزائرية عنوانا بارزا في الذاكرة الوطنية، ساهمت في المجهود الكبير لثورة التحرير، بلغت ذروتها في مظاهرات 17 أكتوبر 1961 لما نهض جزائريون من كل الفئات والأعمار من رجال ونساء وأطفال وبسلمية، مطلقين صرخة الحرية، رافضين الخضوع لسياسة القمع والاغتيال والتمييز، جوهر مخطط منع التجوال، وضعه المتطرفون الفرنسيون ونفذتها معهم حثالة الحركة الذين “كرمهم” مؤخرا الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون، تبع ذلك تهجم ممنهج على ذاكرة الشعب الجزائري ودولته الفتية.
ها هي الذاكرة تكسر صمتا مطبقا تفرضه لوبيات بقايا الفكر الاستعماري في باريس لتضع الحقائق في صدارة المشهد ليقرأ الرأي العام الفرنسي من الأجيال الجديدة هناك شهادات عن ماضي دولتهم بارتكابها جرائم ضد الإنسانية في حق أبناء الجالية الجزائرية، تقتيلا وإلقاء في نهر السين وتعذيبا، وإهانة أشرف عليها عنصريون في البوليس الفرنسي بكل فروعه، يتقدمهم السفاح موريس بابون، الذي تعاون مع الاحتلال النازي لفرنسا، وتشبع بالحقد والعنصرية والسادية، جسدها في تلك الجرائم ضد الإنسانية، أمر فضحه بعض بني جلدته ناهضوا الاحتلال.
الذاكرة وهي تكسر قيود الصمت المغرض من قنوات وصحف تفقد آخر ما تبقى من احترافية وتنجر وراء تيار اليمين المتطرف، ترد على من اعتدى بخبث على ذاكرة الشعب الجزائري ودولته، وتعيده إلى حقيقة التاريخ، وهي أن فرنسا احتلت واستمرت الجزائر حيث مارست جرائم ضد الإنسانية من نهب واغتيال وإبادة وتعذيب واستغلال للإنسان الجزائري، حقائق لا يمكن تكرارها تستوجب طلب الاعتذار، مسألة تستوجب أيضا تجريم الاحتلال لإسقاط قانون تمجيد الاستعمار.
أمام عدالة التاريخ لا مجال للفّ والدوران أو البحث عن محسّنات لتبرير جرائم عنصرية تبقى بمثابة كابوس يطارد صناع القرار في الإليزيه والخلاص منه عبر الاعتذار واحترام الذاكرة، التي تحتفظ بحق الرد والدفاع عن حقوق تلك الأجيال التي واجهت في كل تلك المراحل أعمال القمع والتمييز تحت سلطة الاحتلال الفرنسي، خلفه اليوم في مواجهة ما ارتكبه أسلافهم من صنف بابون وبيجار ومن على شاكلتهم من عنصريين دمويين وأذنابهم الحركى، تضعهم جميعا الذاكرة في مزبلة التاريخ.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.