رأي المجلس الدستوري مطلوب في وضعية غير مسبوقة
المادة 184.. القضاء على المال السياسي وبتر أذرع أخطبوط الفساد
يختلف مشهد الانتخابات المحلية المقررة في 27 نوفمبر الداخل، عن مشاهد سابقة عرفتها الجزائر لذات المناسبة. فبين إقصاء مترشحين محتملين تحت طائلة المادة 184 من قانون الانتخابات، وبين غياب قوائم في بعض الولايات يثار التساؤل حول شكل خريطة المجالس البلدية والولائية المقبلة.
وتمثل المحليات المقبلة، المرحلة النهائية في مسار البناء المؤسساتي الذي بادر به رئيس الجمهورية.
وتطرح المحليات الجاري التحضير لها إشكاليات عدة، منها ما طرحت معضلة قانونية وسياسية غير مسبوقة كخلوّ بلديات من قوائم متنافسة، إلى جانب مسالة سقوط أسماء كبيرة من قوائم الأحزاب على غرار حزب جبهة التحرير الوطني، حركة مجتمع السلم، التجمع الوطني الديمقراطي، جبهة القوى الإشتراكية، وجبهة المستقبل.
وطالت هؤلاء المقصيين، مقصلة المادة 184 من قانون الانتخابات التي تفرض شروطا صارمة في المترشح للمجلس الشعبي البلدي أو الولائي.
ويجب “ألا يكون محكوما عليه نهائيا بعقوبة سالبة للحرية لارتكاب جناية أو جنحة ولم يرد اعتباره، باستثناء الجنح غير العمدية، إضافة إلى ضرورة أن يثبت وضعيته تجاه الإدارة الضريبية”.
ويتمثل البند الأهم في “ألا يكون معروفا لدى العامة بصلته مع أوساط المال والأعمال المشبوهة وتأثيره بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على الاختيار الحر للناخبين وحسن سير العملية الانتخابية”.
دخينيسة: ننتظر رأي المجلس الدستوري
يقدم أستاذة جامعيون، إجابات عن هذه الإشكاليات، إذ يرى الدكتور احمد دخينيسة أستاذ القانون العام بجامعة الجزائر، أن ما حدث من إقصاءات بالجملة في صفوف الأحزاب السياسية، نتيجة لتطبيق المادة 184 من قانون الإنتخابات، التي تعطي “سلطة تقديرية” والتي يمكن ضبطها بعد تعديل القانون في وقت لاحق (بعد المحليات).
وأكد دخينيسة لـ “الشعب ويكند”، أن قانون الانتخابات تضمن أيضا مجموعة من التدابير المسهلة، كحرية الترشح، وتبسيط إجراءات التوقيعات من خلال تعديل قانون البلدية مؤخرا.
وأشار المتحدث، أن استعمال “فيطو” المادة سالفة الذكر جاء “لضبط الحياة السياسية في البلاد” بعدما التي شهدت خلال عقود ماضية “فوضى كبيرة”، بدء من التزوير وصولا إلى تحكم “الكارتل المالي” في السياسة.
ويضيف أنها مهمة “لبتر اذرع المال السياسي ومحاصرة أخطبوط الفساد وتطهير المشهد تزامنا والإصلاحات السياسية التي باشرتها السلطات من خلال تعديل الدستور وإجراءات انتخابات تشريعية وحاليا المحلية”.
وقال دخينيسة ان تطهير الحياة السياسية، يبدأ من المجالس التمثيلية في البلديات والولايات خاصة وان تغلغل الفساد لتلك المجالس اخطر من تغلغلها في التشريعات لانتخاب البرلمان، لأنها تمثل اللبنة الأولى في الحياة السياسية.
ويفيد بأن البلاد تعيش مرحلة انتقالية “في ظل وجود إرادة قوية من قبل الرئيس لتصفية الساحة السياسة من جماعة المال والأعمال”.
وفي السياق أكد الخبير القانوني أن الأحزاب السياسية التي تشتكي من الاقصاءات عليها اللجوء إلى القضاء بداية من المحكمة الادارية، وحتى بإمكانها الاستئناف أمام مجلس الدولة.
ولجأ معظم المترشحين الذين تم إقصاؤهم، إلى القضاء الإداري من أجل رد الاعتبار.
وحول سؤال متعلق ببروز ظاهرة جديدة تتعلق بالعزوف عن الترشح، إذ باتت بعض البلديات دون قوائم للمرشحين، فيما وجدت قائمة وحيدة تنافس نفسها في بلديات أخرى، شدد دخينيسة على أنها مشكلة قانونية لكون أن قانون الانتخابات الجديد ، لم ينص على إمكانية وجود حالة كتلك ، لتبقى مسألة ستطرح على الهيئات العليا في البلاد في انتظار إجابة سلطة الانتخابات عن الأمر، و إصدار رأي من قبل المجلس الدستوري، فوجود قائمة واحدة لن يعطي الاختيار الحر للناخب وهي مسائل ننتظر إجابة عنها .
وتطرح في السياق تساؤلات حول إمكانية الإبقاء على المجالس البلدية الحالية لتسيير البلديات التي لم تجرِ فيها الانتخابات لعدم تقدم قوائم مرشحين، أو لجوء السلطة المستقلة للانتخابات إلى تطبيق المادة الـ 51 من قانون البلدية ، التي تنص على أنه، في حالة ظروف استثنائية تعيق إجراء الانتخابات بالبلدية وبعد تقرير الوزير المكلف بالداخلية الذي يعرض على مجلس الوزراء، يعين الوالي متصرفا لتسيير شؤون البلدية.
ويمارس المتصرف، تحت سلطة الوالي، السلطات المخولة بموجب التشريع والتنظيم للمجلس الشعبي البلدي ورئيسه .
وتنتهي مهام المتصرف بقوة القانون بمجرد تنصيب المجلس الجديد.
وتنظم انتخابات المجلس الشعبي البلدي بمجرد توفر الظروف المناسبة.
عبد الحق سعدي: المحليات تفتح الباب على كل الإحتمالات
من جانبه يرى المحلل السياسي عبد الحق بن سعدي أن المشهد الانتخابي الحالي، هو نتيجة تغير معطيات المشهد السياسي في الجزائر في إعقاب حراك 2019.
وقال سعيدي لـ “الشعب ويكند”، أن دور الأحزاب أصبح ضيق جدا نظرا للنقلة التي عرفها الوعي السياسي لدى الرأي العام، “فلم تعد الأحزاب القائمة مؤهلة لتلبية مطالب الجزائريين، خاصة وان اسمها ارتبط بعهد بات منبوذا من قبل الجميع.”
وقال بن سعدي أن المادة 184 من القانون الانتخابي تفسر “أن العملية الجراحية السياسية في البلاد، ستؤدي إلى تغيير جذري في الخارطة السياسية، “وهو ما نعيشه اليوم بعد أن تم إقصاء تقريبا كل رؤساء المجالس البلدية الحاليين والسابقين ومنتخبين محسوبين على عهدة ماضية من السباق الانتخابي، وهذا من أجل إتاحة الفرصة لوجوه جديدة “.
وعن وجود ظاهرة العزوف عن الترشح في بعض ولايات الوطن، يرى المحلل أنها سابقة وأن القانون لم يتكلم عنها ، ليبقى الباب مفتوحا للاجتهاد، متحدثا عن إمكانية إجراء انتخابات جزئية أو تشكيل مندوبيات إدارية لتبقى في الأخير مشكلة سياسية وقانونية.