يتطرق أستاذ علوم الاقتصاد، عمر هارون، في حوار مع “الشعب أونلاين”، لعديد الملفات التي تهم الرأي العام، لاسيما تراجع القدرة الشرائية وفرضية رفع الدعم وإمكانية عدم ضخ الغاز إلى اسبانيا عبر المغرب.
وقال الخبير الاقتصادي، إن المغرب سيتعرض لخسائر كبيرة في حال عدم تجديد عقد أنبوب مد الغاز نحو اسبانيا.
وأوضح هارون، أن الخسائر على الصعيد المادي تتراوح بين 50 و200 مليون دولار وعلى مستوى التموين بالغاز فسيخسر 10 بالمئة من إنتاجه الكهربائي الذي كان يستعمل فيه الغاز الجزائري.
إمكانية عدم مد اسبانيا بالغاز عبر المغرب، كيف ترى هذا القرار؟
القرار يدخل ضمن القرارات السيادية للجزائر تجاه مقدراتها الريعية ومن حق الجزائر أن تختار ما يعظم أرباحها خاصة أن المغرب كان يستفيد بشكل كبير من الغاز الذي يمر عبر الخط الأورو متوسطي الممتد على 1400 كلم من خلال دفع الجزائر لرسوم عبور غازها عبر الأنبوب الغربي تترواح بين 50 و 200 مليون يورو سنويا منذ 1996 تاريخ تشغيل الخط الذي تم تجديد عقوده في 2011 كما أن المغرب كان يحصل على الغاز بأسعار تفضيلية ثابتة مقارنة بالعقود الموجودة ويستفيد مما يقارب 800 مليون إلى مليار متر مكعب أو ما يعادل 97 بالمئة من احتياجات الغاز المغربية من إجمالي صادرات غازية بلغت في أقصى حالاتها 9.5 مليار متر مكعب، كما أن الجزائر الآن تخطط لإيصال النفط النيجيري لأوروبا من خلال منشآتها الفنية عبر خط جديد يمتد على 4128 كلم مستهدفا نقل حوالي 30 مليار متر مكعب سنويا،
هل ستتكبد الرباط خسائر مادية جراء هذه الخطوة؟
المغرب لا يزال يحاول تجديد العقود مع الجزائر من خلال طلب وساطة اسبانية، وخسائره ستكون كبيرة بالطبع فعلى الصعيد المادي سيخسر رسوم تتراوح بين 50 و200 مليون دولار وعلى مستوى التموين بالغاز فسيخسر 10 بالمئة من إنتاجه الكهربائي الذي كان يستعمل فيه الغاز الجزائري أما على الصعيد الاستراتيجي فسيخسر الأمن الطاقوي الذي يعتبر واحد من أهم النقاط التي يمكن أن تضرب بلد خاصة في حال موجات برد قارصة كما هو متوقع هذه السنة.
الذي يعاب على النظام المغربي حرصه على تجديد التعاقدات من أجل أن يكون ممون للسوق الأوروبية من خلال خطه، رغم أنه كان يمكن أن يتفاوض مع الجزائر للحصول على الغاز من أجل الاستهلاك الداخلي للمواطنين المغاربة ولا أظن أن الجزائر سترفض مثل هذه الأفكار خاصة أنها ستبيع غازها بالأسعار الدولية المتعارف عليه ومهما كانت كبيرة ستكون أحسن من الحصول على الغاز المسال الذي ينقل من خلال البواخر خاصة مع ما يعرفه الشحن البحري من ارتفاع مجنون للأسعار.
هل قانون المالية لسنة 2022 سيكون في صالح المواطن؟
في الحقيقة لا توجد الكثير من التغييرات التي تمس بالحياة الاجتماعية للمواطن في مشروع قانون المالية لسنة 2022، ولعل أبرز ما ظهر للجميع هو التغييرات التي حصلت على مستوى الضرائب على الدخل الاجمالي التي تم تقسيمها إلى 6 أصناف والتي تؤثر على مدخول الأفراد بشكل متفاوت يتراوح بين 2000 دج إلى 6000 دج وهو مبلغ ضئيل مقارنة بحجم الزيادات التي عرفتها مؤخرا مختلف السلع والخدمات واسعة الاستهلاك على غرار الخضر والفواكه واللحوم بأنواعها وهذا بعيدا عن الخدمات التي لا يتحدث عليها الجميع.
فسعر الأعمال الخاصة بالإنشاء والترصيص والكهرباء كلها إرتفعت بشكل كبير جدا مثلها مثل سلع تعتبر في خانة الضروريات لفئات من المجتمع على غرار الطلبة فأسعار الحواسيب مثلا عرفت ارتفعات مهولة وصل فيها أسعار الكمبيوتر ثلاثي النوات “I3″مثلا إلى ما يفوق 9 ملايين سنتيم بعد أن كان في حدود 7 ملايين سنتيم حيث كان يفترض أن يتم مراجعة ما يفرض عليها من ضرائب ورسوم وجمركة والتي وصلت لما يفوق 60 بالمئة وهو ما يجعلنا نقول دوما أن المطلوب هو الحديث عن القدرة الشرائية للمواطن وقدرته على تلبية حاجياته حتى وإن لم تكن هناك زيادات والتي مهما بلغت إذا لم تتوقف موجة الغلاء الحالية فإن الزيادات المقترحة في قانون المالية 2022 لن يكون لها جدوى خاصة أن القانون لم يأتي على ذكر قضية رفع النقطة الاستدلالية للأجور.
ومع ذلك لا يجب أن ننكر أن أزمة الكوفيد خلقت أزمة تضخمية عالمية خاصة مع ارتفاع أسعار النقل إلى ضعفين عالميا، لكن هذا يفسر ارتفاع أسعار السلع المستوردة لكنه لا يفسر سبب ارتفاع أسعار سلع تنتج وتسوق محليا .
رفع الدعم عن المواد الأساسية ستؤدي لارتفاع أسعار مختلف السلع
حديث عن رفع الدعم على المواد الأساسية، ما هي قراءتكم؟
إن الأجور في الجزائر لم تتغير منذ 2010 حيث أن التضخم من تلك المرحلة إلى اليوم ارتفع بشكل كبير جدا فنصاب الزكاة في نفس السنة كان في حدود 33 مليون وخمسمئة ألف سنتيم أما في السنة الجارية فبلغ 73 مليون مئة الف سنتيم لهذا نسبة التضخم الحقيقي ارتفعت بما يفوق 100 بالمئة ومنه فرفع النقطة الاستدلالية هذه السنة مع إعادة النظر في أجور العمال يغطي فقط حجم التضخم وتراجع القدرة الشرائية التي فقدتها الأجور خلال العشرية الماضية فإذا تم رفع الدعم عن الأجور في نفس المرحلة وتحويلها لأموال عينية للفئات المؤهلة يستدعي أن يكون الاجراء من الفئات المؤهلة التي يجب أن تمسها الزيادات النقدية التي ستتحول من إعانات موجهة للمنتجين إلى المستهلكين النهائيين.
كما أن عملية رفع الدعم عن المواد الأساسية الواردة في المادة 187 من مشروع قانون المالية للسنة القادمة ستؤدي لارتفاع أسعار مختلف السلع وهذا ما سينجر عنه ارتفاع في أسعار الخدمات وهامش الأرباح التي يعتمدها الأجراء خلال المرحلة القادمة نظرا لعدم قدرتهم على المحافظة على مستوى المعيشي الذي هم فيه، ومنه سيدخل الاقتصاد الوطني في مرحلة خلق توازنات جديدة قد ترتفع فيها الاسعار بشكل مفرط يضر بالمواطنين، مع إمكانية استمرار هذه المرحلة لمدة طويلة نسبيا قد تصل إلى 6 أشهر وهو ما سيؤثر لا محالة على السلم الاجتماعي للجزائر خاصة وأن عديد النقابات تحضر للدخول في احتجاجات نظرا لما يعيشه الموظف من تراجع كبير للقدرة الشرائية.
هل يمكن للمواطن مجاراة هذه الخطوة وكيف تتوقعون مستوى القدرة الشرائية السنة المقبلة؟
في الجزائر لا نملك الحجم الكافي من سلطات الضبط في القطاعات المختلفة التي يمكنها أن تضبط السوق لأن حوالي 60 بالمئة من الاقتصاد الوطني غير رسمي وهو الأمر الذي أكده رئيس الجمهورية من خلال قوله إن الأموال الموجودة في السوق السوداء تعادل 10000 مليار دينار حالها حال أدوات الضبط التقليدية في الوزارات المختلفة ولعل موجة رفع الأسعار الأخيرة والندرة التي حصلت مؤخرا دليل على ذلك وهو ما جعل رئيس الجمهورية يوجه بوضع نصوص قانونية رادعة للمضاربة والتي وإن وجد القانون فمن الصعب التفرقة بين التجار الذي يهدف للربح ويشتري السلع اليوم منتظرا ارتفاع الأرباح لإعادة بيعها وبين من يستعمل السلعة للتلاعب بالأمن الغذائي للمواطنين، مما يجعلنا نواجه عزوف كامل من التجار والمتعاملين في الميدان وهو ما قد يزيد الطين بلة ويجعلنا نخلق أزمات أخرى، وبالتأكيد ستظهر أسباب أخرى مع الوقت تحتاج لحزم هي الاخرى لكنها ستؤثر على العملية.
لهذا أقترح تأخير عملية رفع الدعم حتى نحضر المجتمع لهذه العملية من خلال دراسات معمقة وطرح الموضوع للنقاش على مختلف المستويات وهو ما يمكننا من التحكم أكثر في العملية كما يمكن اللجوء لنزع الدعم بشكل جزئي على بعض القطاعات أو المواد بشكل محدود لنفهم كيف سيكون التجاوب مع العملية لتحضير كل السيناريوهات في حالة رفع الدعم بشكل كلي وهو الإجراء الأكثر عقلانية في المرحلة الحالية، وإلا سنكون أمام حالة من عدم القدرة على توقع ما سيكون ما بعد رفع الدعم وتحويله بشكل مباشر للمستحقين خاصة أن حجم كبير من الفقراء في الحقيقة هم عاملون غير مصرح بهم أو أصحاب حرف ومهن حرة.
نحتاح لإصلاحات هيكلية عميقة
هل توجد حلول من أجل تحسين القدرة الشرائية أو على الأقل كبح تراجعها؟
الحلول السحرية غير موجودة لأي حكومة كانت مهما كانت قوتها وقدراتها، لكن المفروض أن يكون هناك عمل على المدى المتوسط والطويل من أجل كسب رهان التنمية الاقتصادية الذي يبدأ من خلال العمل على تشجيع المؤسسات الاقتصادية والرفع درجة حياة المؤسسات الاقتصادية، والذي يعرف تراجعا كبيرا فحجم المؤسسات المنشئة في الجزائر أقل من حجم المؤسسات المتعثرة والمفلسة، وهو ما يعني أننا يحاجة لإصلاحات عميقة في مناخ الأعمال.
نحتاح لإصلاحات هيكلية عميقة قد يساهم في حلها مشاريع باديكا الموقع مع الاتحاد الأوروبي منذ 2016 إلا أن مشروع قانون المالية الحالي وتأخر صدور قانون الاستثمار يوضح أننا نعيش تأخر كبير في مجال إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني خاصة أن الحكومة الحالية تكاد تكمل شهرها الرابع.
إن خلق عدد من المؤسسات الاقتصادية سيخلق ديناميكية قوية داخل الاقتصاد الوطني يمكن الجزائر من خلق قيمة مضافة قادرة على تلبية حاجات الجزائريين خاصة أن حجم النمو الاقتصادي هذه السنة رغم أهميته إلا أنه غير كاف لمواجهة الطلب الداخلي الذي يزيد سنة بعد سنة بفعل النمو الديمغرافي، ولعل خطو الحكومة الحالية هو الرفع الطفيف لسعر برميل النفط المرجعي في الموازنة العامة لحدود 45 دولار للبرميل وتحويل الباقي لصندوق ضبط الموارد لكن الأحسن هو ضخ جزء أكبر من الأموال في الموازنة والعمل على إصلاحات عميقة في الاقتصاد الوطني من خلال بث ثقة أكبر في الاقتصاد الوطني وهو ما يجعلني أنصح برفع السعر المرجعي لحدود 60 دولار للبرميل وهو ما سيجعل الحكومة تبرمج مشاريع بنى تحتية قادرة على زرع المزيد من الثقة والأمان في الاقتصاد الوطني.