وجه رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، رسالة للشعب الجزائري بمناسبة الذكرى الـ 67 لاندلاع الثورة التحريرية، اليوم الأحد.
قال رئيس الجمهورية في نص الرسالة: ” نحتفل هذا الاثنين بعيد الثورة المجيدة الـ 67، فيعود الفاتح من نوفمبر مجددا فينا عهد الوفاء للشهداء ومرسخا في الوجدان شرف الانتماء لهذه الأرض المباركة، التي أبت عبر التاريخ إلا أن تكون حرة أبية”.
وأضاف: “يعود الفاتح من نوفمبر ليذكرنا بتلك الشرارة التي أضاءت الوطن المفدى بشعلة من نار ونور… نار حارقة للغاصبين المعتدين ونور يمتد في الجبال والوهاد والأحراش مباركا بفضل من الله تعالى، سرايا الثوار الأحرار والهارعين لنداء المجد والحرية والكرامة”.
وتابع: “ذلك النداء المرجعي المقدس المحفوظ في ضمائرنا المحصن لوحدتنا الوطنية وملهم الشعب الجزائري الأبي، عبقرية تجاوز أوقات المحن صفا متراصا وجدارا وطنيا عصيا”.
النص الكامل لرسالة رئيس الجمهورية:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
أيتها المواطنات .. أيها المواطنون،
نَحتفي هذا (الإثنين) بعيدِ الثورةِ المجيد السابع والستين، فيَعُودُ الفاتحُ من نوفمبر مُجدِّدًا فينا عهدَ الوفاءِ للشهداء، ومُرسِّخًا في الوجدان شرفَ الانتماءِ لهذه الأرضِ المُباركة، التي أَبَتْ عَبْر التاريخ إلاَّ أَنْ تكون حرّةً أبيّةً ..
يَعُودُ الفاتحُ من نوفمبر ليذكِّرَنا بتلك الشرارةِ، التي أَضَاءَتْ الوطن المفدَّى بشُعلةٍ من نارٍ ونُورْ .. نارٌ حَارِقةٌ للغاصبين المُعْتَدين، ونُورٌ يَمْتَدُّ في الجبال والوهاد والأحراش، مُباركًا بِفَضْل مِنْ الله تعالى، سَرَايَا الثُّوارِ الأحْرار الهَارِعين لنداءِ المَجْدِ والحرِّيةِ والكرامة .. ذلك النداءُ المَرْجِعيُّ المقـــدَّسُ، المحفـــوظُ في ضَمَائرِنــــــا .. المُحصِّنُ لِوِحْدَتِنـــــا الوطنية، ومُلهمُ الشَّعبِ الجزائريِّ الأبيِّ عبقريةَ تَجَاوُزِ أوقاتِ المِحَنِ، صَفًّا مُتَرَاصًّا .. وجِدارًا وطنيًا عَصِيًّا.
لَقد أَنْعَمَ الله تعالى على الجزائر بأَنْ تَردَّدَ صدى كفاحِها المسلحِ المريرِ ضدَّ الاستعمار الاستيطاني في أصقاعِ الدنيا. عندما كانت قوافِلُ شهدائِنا الأمجاد والمُسَّلحين بإيمانِهم بالنَّصر .. وإصرارِهم على إعلاءِ الحقّ، تَسْحَقُ ما حَشَدَتْه فرنسا الاستعمارية مِنْ إرهابٍ بِقُوَّةِ السلاح .. وترويعٍ بالإبادةِ، وتَنْكِيل بالتعذيب، وبأبشعِ جرائمِ الأرضِ المحروقة في تَاريخِ البشريةِ الحديث، فَلَقد كان سِلاحُ الإيمانِ بالنصر .. والإصرارُ على إعلاءِ الحقّ، بعدالة القضية أَقْوى من جَيشٍ استعماريِّ مُدَجَّجٍ، مُهتَزِّ العقيـــدة، مَدْفُوعٍ إلى جحيــــمِ العُــــدوان، عــــلى “شعــبٍ حــــرٍّ ومُصّممٍ على البَقَاءِ حُرًّا “.
أيتها المواطنات .. أيها المواطنون،
إنَّ نوفمبرَ المَعينَ الذي لا يَنْضَبُ .. ذُخْرَ الأُمَّةِ .. ومَنَاطَ فَخْرِ الشَّعْبِ وعزَّته، أَرْفَعُ مِن أَنْ يَنْحَصِرَ الاحتفاءُ به في مظاهر الرَّتابة المُناسَباتِيَة البَاهِتة .. فَتَضحياتُ الشهداء والمجاهدين، والمآسي والمعاناة التي عَانَى منها الشَّعْبُ تَحْتَ هيمنة الاستعمار الغاشم، يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مَصْدرَ إلهامٍ .. لإحَاطَةِ إحياءِ ذكرى نُوفمبر الخالدة، بِمَا يَرْقَى لِعَظَمَةِ مَلْحَمَةِ ثورةِ التحرير المباركة، إذ لابُدَّ من تسخير الإمكانياتِ الموضوعةِ تَحْتَ تَصَرُّفِ المؤسســاتِ والهيئـــاتِ المعنيــةِ، وتوجِيهِها نحو ترقيةِ وتثمينِ رصيدِنا التَّاريخي المُعاصر، بِأَشْكَال وأساليبَ حَاملةٍ لعناصرِ الإقناع، ومُسْتَقْطِبَةٍ للأجيالٍ الجديدة.
وفي هذا السياق، أُهيبُ بالمؤسساتِ التي يَقَعُ على عَاتِقِها الاهتمامُ بتاريخِ الحركةِ الوطنية وثورةِ التحرير، وأدعوها للمبادرة بوضعِ تصوراتٍ وبرامجَ مُحدَّدةِ المواضيعِ والآجالِ، وللانتقال بأسرعِ ما يُمْكن إلى حِفْظِ وتوثيقِ المادةِ التاريخية، بالاعْتِمَادِ على الرقمنة.. وتوفيرِ الشُّروطِ الملائمةِ للباحثين والمُبدعِين في شَتَّى الفنون، لإبرازِ حَقِيقَةِ النِّضَالاتِ القاسية، والتضحيات الجسيمة من خلال أَعْمَال فَنِّيةٍ رَاقيَة .. وإبداعاتٍ تَسْمُو إلى تضحياتٍ، عانَقَتْ عَنانَ السَّماء في نُبْلِ الأهداف والمقاصِد الإنسانية العظيمة لثورة نُوفمبر 1954 .. إنَّه لا مَنَاصَ مِنْ اسْتِدْراكِ الفَرَاغِ في هذا الشأن بإنجازاتٍ مُبدِعة، تُضاف إلى تلك الطَّفراتِ النَّادرة في مَجَالِ الصناعة السينمائية والإنتاج التلفزيوني والإذاعي .. والأعْمَالِ الأدبيةِ والفنيـــة المُمَيَّزَة، التي عَكَسَتْ بكفـــــاءةٍ واحترافية نَـزرًا قَلِيــــلاً من تـــاريخِ مسيرة النّضال الوطني، والكفاح المُسلَّحِ للشَّعْبِ الجزائري، الذي يَحْتَفِظ في كلِّ قَرْيةٍ .. وفي كلِّ دَشْرةٍ .. وفي كلِّ حَيٍّ من مُدُننا، بأَحْدَاثٍ ووقائع تَشْهَدُ على ثورةٍ مجيدةٍ عظيمةٍ، سَتَظَلُّ حاضرةً بوَهَجِهَا في ضمير الإنسانية جمعاء .. وعميقةً في هُوِّية وذَاكِرة الأُمَّة، تَرْسُم للجزائريات والجزائريين خطَّ الوفاءِ للتاريخ وللذاكرة ..
أيتها المواطنات .. أيها المواطنون،
لَمْ تَمْضِ سَنَتَانِ، بَعْدُ، مُنْذُ أَنْ كانَتْ مُقوِّماتُ الدولة على حافَّةِ الانهيار الوشيك، والحَمْدُ لله أَنَّ شَعبَنا الأبيَّ، مُسْتَشْعِرًا الخَطَرَ الداهِم، ومُرتكزًا على المرجعية النوفمبرية ورسالة الشهداء، هَبَّ إلى حَراكٍ مُبارك مُبْهِرٍ، غيرةً على الجزائر وعلى مُقَوِّمات الدَّولة ..
وإنَّنا اليومَ وفاءً لِلْهبَّةِ الشعبيةِ الأصيلة .. وَلما تَعَهَّدْنا به أَمامَ شعْبِنا الكريم، يَحْدُونا أشدُّ الحرص على تحقيقِ الغاياتِ النَّابِعة من إرَادَتِه السيِّدة، بِرُغمِ صَخَبِ هُواة الدِّعاية، ومَشْبُوهِي الوَلَاءَات ..
إنَّ الجزائرَ القويةَ بشعبِها وجيشِها، تَعْتَدُّ بمؤسَّساتها الدُّستورية، وقَدْ انْطَلَقَتْ نحو الآفاق التي ارْتَسَمتْ مع اندلاع الكفاح المُسلح في الأَذهانِ النَّقِيَّةِ لِصُنّاع ملحمةِ نوفمبر الخالدة من شُهدائِنا الأبرار ومُجاهدينا الأشاوس .. إنَّها آفاقُ بناءِ مُؤسساتِ الدَّولة على أُسُس صحيحةٍ بَعِيدةٍ عن الشُّبهات والشوائب، واستكمالاً لصَرْح هذا البناء، سنكون إن شاء الله عمّا قريب، في 27 نوفمبر على مَوْعِدٍ مع الانتخابات المحلية الولائية والبلدية، تَأْكِيدًا لإرادتِنا القوِّيةِ الثَّابتةِ على حِمَاية حُرِّيةِ الاختيار السيِّد للمواطنات والمواطنين .. ومُحَارَبةِ كُلِّ أشكالِ سَطْوةِ المال وتَسَلُّلِ النفوذ، للتَّأْثِيرِ في نَزَاَهةِ ومِصْداقيةِ العملية الانتخابية ..
وبالمُوازاةِ مَعَ هَذَا المسارِ الحَيَويِّ، لِمُواءَمةِ البناء المؤسساتي الجديد مع الدستور.. وتكييفِ الهَيْآت الوطنية وفْقَ أَحْكَامِه .. واسْتِحْدَاثِ هيآتٍ أُخرى، دعَتْ إِليْها التَّحوُّلاتُ في المجتمع .. سَتَنْطَلِقُ الحكومة بوتيرةٍ