شددت المؤرخة الفرنسية، كاترين بران، على أهمية عدم فصل دراسة الأحداث المؤلمة لحرب التحرير الوطني عن الفترة الاستعمارية (1830-1962) والتطرق الى هذه الحرب كجزء لا يتجزأ من النظام الاستعماري.
أوضحت المؤرخة، التي ألفت العديد من الكتب حول حرب الجزائر بالقول: “الأمر الذي لفت انتباهي خلال السنوات الاخيرة هي الكيفية التي فرضت من خلالها أهمية عدم فصل دراسة حرب التحرير عن الفترة الاستعمارية والتطرق الى احداث الحرب كجزء لا يتجزأ من النظام الاستعماري”.
وأبرزت المؤرخة، في في حوار لواج، اليوم الإثنين، التي تعتبر كذلك كأدبية عملت على نصوص فرنسية وجزائرية باللغة الفرنسية تتطرق الى مختلف المواضيع انه “تم تجاوز حدود المعقول قبل عشر سنوات من ذلك خلال احداث 8 مايو1945 التي شهدت “قمعا دمويا” بسطيف وقالمة وخراطة عندما قتل شرطيا برعما من الكشافة الاسلامية الجزائرية يحمل الراية الوطنية”.
واعتبرت المتحدثة ان “هذا الحدث قد ادى الى اندلاع اعمال شغب قابله قمع دموي لقوات المستعمر والجيش الفرنسي خلف قرابة 20 الف قتيلا جزائريا”.
وخاضت الجزائر التي تعتبر مستعمرة فرنسية منذ 1830 يوم 1 نوفمبر 1954، وطوال 8 سنوات، كفاحا مريرا لنيل الاستقلال، حسبما اوضحته المؤرخة بران التي الفت كتاب “حرب الجزائر: كلمات تسردها” والذي يضم نصوصا لجامعيين ومثقفين وفنانين حول حرب التحرير والحقبة الاستعمارية.
واستنادا الى السياق السياسي في فرنسا وفي الجزائر الذي ادى الى اندلاع حرب التحرير، اشارت المتحدثة انه خلال هذه الفترة “شكلت الهوية الفرنسية للجزائر شبه اجماع لدى القوى السياسية باستثناء اليسار المتطرف. لكن في المستعمرات الفرنسية كانت الثورة تحتدم”، حسب ذات المؤرخة التي تم أخذ تصريحاتها من طرف الصحفية الفرنسية ايستر بويتكانت في مقال يحمل عنوان “حرب الجزائر: الكفاح المرير لنيل الاستقلال”.
كما ذكرت المتحدثة ان جبهة التحرير الوطني، التي اتخذت قرار تحديد تاريخ اندلاع الكفاح المسلح شهر اكتوبر 1954″، قد خرجت الى العلن ليلة 31 اكتوبر الى 1 نوفمبر 1954 واطلقت الثورة من خلال ما يزيد عن 30 عملية منسقة”.
وحسب المؤرخة، هذا الحدث لم يتم تداوله بشكل كبير من طرف الصحافة الفرنسية”، مشيرة الى انه “يوم 7 نوفمبر 1954، اعلن فرانسوا ميتيران، الذي كان يشغل وقتها منصب وزير الداخلية بشكل رسمي ان الجزائر هي فرنسا وان فرنسا لن تعترف سوى بسلطتها هناك”.
ومن خلال اندلاع الثورة، طالبت جبهة التحرير الوطني “بالاستقلال الوطني من خلال استعادة سيادة الدولة الجزائرية وفتح المفاوضات واطلاق سراح المعتقلين السياسيين”، حسب ذات المتحدثة، مضيفة ان “الاعمال العدائية العسكرية لهذه الحرب غير المعلنة قد جرت على الاراضي الجزائرية وان اندلاع الثورة لم يحصد صدى كبير في فرنسا في بادئ الامر”.
“كان يجب انتظار سنة 1955 والاثار المشتركة لإعلان حالة الطوارئ ومؤتمر باندونغ من اجل تحقيق تعبئة مع انشاء لجنة المثقفين ضد استمرار الحرب في شمال افريقيا”، يضيف المصدر.
وفي هذا الصدد، اسردت السيدة بران بالقول :”خلال سنوات النزاع، تضاعفت عمليات حجز الصحف والمجلات والكتب من اجل تفادي بروز جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني كحركات لها مصداقية على المستويين العسكري والسياسي”.
وبالموازاة مع هذه الاعمال، “اعطى الجنرال الار في مارس 1957 تعليمة بتعميم استعمال الطرق المطبقة في الجزائر العاصمة عبر كل التراب الوطني والتي ابانت عن فعاليتها”، حسب ذات المتحدثة، مضيفة انه “ابتداء من نهاية سنة 1957، برزت عدة مراكز مخابرات وعمليات بمختلف مناطق الوطن”.
وذكرت أن “معركة الجزائر العاصمة التي قادها الجنرال ماسو من اجل وضع حد +للإرهاب الحضري+ قد سمحت باستعمال التعذيب واعلنت عن ازمة اخلاقية عميقة”، مضيفة ان “التعذيب، الذي كان يعتبر انزلاقا، قد تم ادراجه كنظام”.
وأضافت المتحدثة انه في بداية سنة 1961، قامت منظمة الجيش السري، التي كانت تدعم فكرة الجزائر فرنسية، بالعديد من الاعمال الاجرامية التي استهدفت شخصيات مثقفة في فرنسا.
وبعد بضعة شهور، وتحديدا يوم 17 اكتوبر 1961، “انفجرت اعمال العنف للشرطة في فرنسا من خلال التهجم على المتظاهرين السلميين في باريس والتي تميزت بالتنكيل والاعدام من دون محاكمة ورمي الجثث في نهر السين”، حسبما ذكرت به المؤرخة التي الفت كتاب “التزامات وتمزقات: المثقفون وحرب الجزائر”.
وفي يوم 8 فبراير 1962، شهدت المظاهرات ضد منظمة الجيش السري والحرب، التي نظمت بمحطة ميتروشارون بباريس، سقوط 8 ضحايا بعد اعمال العنف من طرف الشرطة. وتبقى هذه المظاهرات دليلا قاطعا على ان كفاح الشعب الجزائري من اجل استقلاله قد تم تصديره الى فرنسا.