أكد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، أهمية استحضار التضحية والروح الوطنية للدفاع عن الأمن الوطني في ظل تزايد التهديدات وتشابكها. وأمر بالتوجه نحو دبلوماسية “فعالة” و”مؤثرة” تساهم في تقوية الاقتصاد الوطني وتحمي الجالية بالخارج، ووجه بصيانة الصداقات التاريخية للجزائر مع عديد البلدان.
في بادرة هي الأولى من نوعها، جمع رئيس الجمهورية، الاثنين، كافة مسؤولي البعثات الدبلوماسية والقنصلية الجزائر عبر العالم والإطارات المركزية لوزارة الخارجية والجالية بالخارج، في ندوة هامة، تجرى أشغالها على مدار ثلاثة أيام.
واختيار القائمون على ما اسماه الرئيس تبون “السنة” التي ستكرس سنويا أو نصف سنويا، شعار ” الدبلوماسية الجزائرية والتحديات الدولية للجزائر الجديدة”. هذا التطابق بين الواقع والشعار، دفع رئيس الجمهورية للقول بأنها “تنعقد في توقيت مناسب”.
توقيت يفرض على البلاد وجهازها الدبلوماسي مواجهة الكثير من الصعاب والتحديات، “فمن خلال قراءة السياق الدولي، يتضح حجم التهديدات التي تثقل كاهل الجزائر وتهدف إلى إضعافها من الداخل”.
وقال الرئيس تبون: “إنها (التهديدات) تعتمد على ما بات يعرف بحرب الجيل الرابع”، مشيرا إلى أن مخططها أوسع مما يتصوره البعض “إذ لا تستهدف الجزائر لوحدها وإنما إفريقيا والشرق الأوسط”.
وتحدث عن تحديات “أكثر خطورة في المحيط الجغرافي، للجزائر، والذي يعرف بؤر توتر في دول الجوار وعلى طول الشريط الحدودي، “لاسميا الصحراء الغربية مع استئناف المواجهات المسلحة بين جبهة البوليساريو والاحتلال المغربي”.
وجدد عمل الجزائر على تحصين الاتحاد الأفريقي من المناورات والمحاولات الخبيثة التي تستهدف وحدة صفه “وسوف يكون ذلك تكون ضمن أولويات عملنا الدبلوماسي”. في إشارة إلى مساعي الكيان الصهيوني والقوى المناولة له اختراقه من الداخل تحت صفة العضو المراقب.
وأعلن صراحة بأن ما يحاك ضد الجزائر تجاوز التهديد إلى التنفيذ، وأن ضرب الأمن القومي للبلاد بات غاية لأعداد الوطن، وقال مخاطبا رؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية: “علينا مواصلة العمل بنفس العزيمة وروح التضحية والرد بحزم على كل المناورات التي تستهدف أمننا الوطني”.
وأشار رئيس الجمهورية، إلى تبني استراتيجية استباقية لصد كل تلك التهديدات، والخروج من زاوية الانقباض والاكتفاء برد الفعل، وألا يتوقف العمل الدبلوماسي على التعامل مع الظروف الوطني، وإنما المساهمة في الساحة الإقليمية والدولية من موقع البلد “الفاعل” و”المؤثر”.
وقال: علينا اتخاذ الإجراءات الاستباقية لترسيخ الجزائر كفاعل ومؤثر يساهم في الحلول الجماعية للأزمات وطرح المبادرات التي من شأنها تعزيز العمل متعدد الأطراف.
وأمر بالتحضير، لشغل الجزائر عضوية مجلس الأمن الدولي، في عهدة 2024-2025، وإعطاء المسألة الأولوية، قصد المساهمة في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين والعمل مع الدول “التي تشاركنا المواقف في دفع الأمم المتحدة إلى الاطلاع بمسؤولياتها، خاصة تجاه الشعبين الفلسطيني والصحراوي”.
إفريقيا: العمق الاستراتيجي
ومن أبرز توجيهات رئيس الجمهورية للجهاز الدبلوماسي، إعطاء الأهمية القصوة للقارة الإفريقية، واستعادة العلاقات الطبيعية ورفيعة المستوى مع دول مؤثرة جدا إلى جانب الجزائر في القارة “التي تعتبر عمقنا الاستراتيجي”.
وتحدث الرئيس عن “فتور” في النشاط الدبلوماسي مع بعض البلدان “مثل نيجريا وجنوب إفريقيا. ولابد أن نركز على علاقات محورية معها”. مثلها مثل بعض الدول الأوروبية المحورية. ليضيف قائلا: “علينا الحفاظ على صداقتنا مع الدول الإفريقية والأوروبية التي تقاسمنا وجهات النظر وصون هذه الصداقة، ونحرص على ألا تكون بيننا وبينهم سحابة صيف عابرة”.مفيدا بأن دولا أوروبية “تقاسمنا وجهات النظر ذاتها فيما يتعلق بالأزمة في ليبيا”.
وفي السياق، دعا رئيس الجمهورية إلى تحسين جهودنا “في صيانة الأمن والاستقرار في الشقيقة ليبيا والساحل الإفريقي”.
موعد القمة العربية
وخلال اللقاء، أعلن الرئيس تبون، عن الموعد الجديد لانعقاد قمة جامعة الدول العربية بالجزائر “وذلك شهر مارس المقبل”، بعدما تأجلت في وقت سابق بسبب تفشي جائحة كورنا.
وأفاد بأن القمة، ستكون فرصة لتجديد الالتزام الجماعي العربي بدعم القضية الفلسطينية، وتجديد الموقف من مبادرة السلام العربية، والتطرق لمشروع إصلاح الجامعة، بما يتوافق “ورؤيتنا للعمل العربي المشترك”.
الشراكات
على صعيد آخر، شدد الرئيس تبون على ضرورة العمل “بطريقة عقلانية ومتوازنة لتطوير علاقتنا التجارية مع شركائنا الرئيسيين في أوروبا وآسيا وإفريقيا”.
وقال: “ينبغي أن يعمل الجميع على مقاربة تحمي النسيج الصناعي الجزائري والمنتوج الوطني وتفتح منافذ لمصدرينا”، بما يبرز “قيمة العمل الدبلوماسي للسفراء والقناصلة وخدمته للاقتصاد الوطني”.
وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، جدد الرئيس رغبة الجزائر في إقامة علاقة متوازنة “مع عدم التسامح مع التدخل في شؤونا الداخلية”، مشددا على “ضرورة تبني الاحترام المتبادل والاحتكام لعلاقات السيادة بين الدول”.
ودعا في السياق، إلى تقوية العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا والصين، وكذا مع دول أمريكا اللاتينية، وبلدان الكاريبي وجزر المحيط الهادي، ووجه بالمناسبة بإعادة التواصل على جميع المستويات مع دولة كوبا.
وشدد الرئيس تبون على ضرورة إيلاء العناية الفائقة للجالية الوطنية بالمهجر وتفعيل أدوات الدبلوماسية الاقتصادية من خلال الترويج لجاذبية البلاد للاستثمار ودعم تصدير المنتوج الوطني.
وقال: “التزمت شخصيا بحماية كل جزائري حتى لو كان في أبعد نقطة في العالم واطلب منكم الاهتمام بهذه القضية من خلال ابتكار أدوات عمل جديدة كوضع أرقام هواتف مجانية وقنوات اتصال الكترونية مباشرة” .
الجالية الوطنية بالخارج
الرئيس تبون، حدد مهتمين رئيسيتين لرؤساء البعثات الدبلوماسية، هما “الجالية الوطنية بالخارج” و”الدبلوماسية الاقتصادية”. وقال: “بالنسبة للجالية، يقع على عاقكم ابتكار أساليب ومناهج تكرس الأهمية التي أوليها شخصيا لهذا الموضوع بما يضمن تعزيز روابطها مع الوطن وضمان مساهمة أفرادها في مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية”.
وطلب الإسراع في وضع آليات للاعتناء بالجزائريين في الخارج، سواء بإنشاء أرقام هواتف مجانية، أو قنوات أخرى للتواصل المباشر. “وأكد التزامه بالدفاع عن كل جزائري مهما كان موقعه في العالم”.
وأكد أن جميع الجزائريين “بما فيهم الذين ولدوا بالخارج، تحت حماية الدولة وعلينا التصدي لكل من يهينهم أو يحتقرهم”، وأشار إلى إمكانية التعاقد مع محامين للدفاع عنهم في بلدان الإقامة في حالة اعترضتهم مشاكل ولا يملكون وسائل الدفاع عن أنفسهم.
وبالنسبة للمهمة الاقتصادية، فتنحصر في الترويج لجاذبية البلاد كوجهة لاستثمار الشركات الأجنبية، وإنجاز استطلاعات ورصد الأسواق الأجنبية ومدى أهليتها لاحتضانها المنتجات الجزائرية.
وأمر رؤساء البعثات الدبلوماسية، بالاتصال بوزير الخارجية أو الوزير الأول، للتبليغ عن كل فرصة تصدير للمنتجات الوطنية إلى الخارج.
تحولات دولية
في سياق آخر، أبرز رئيس الجمهورية، حجم التحولات التي طرأت على النظام الدولي الحالي، والذي “يشهد اضطرابات غير مسبوقة نتيجة سلسلة من العوامل والظواهر وبروز فاعلين جدد”.
هذا الوضع المضطرب “يستدعي تكثيف مهام الدبلوماسية الجزائرية، وفق احترام المبادئ الراسخة لها، كنصرة حق الشعوب في تقرير مصيرها وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وحل النزاعات بالطرق السلمية وإقامة علاقات متوازنة في ظل عدم الانحياز”.
وقال الرئيس تبون: “النظام المتعدد الأطراف الذي يقوم على ترقية الحلول الجماعية للمشاكل المشتركة أظهر محدوديته خلال جائحة كوفيد-19 والميل المؤسف لأحادية القرار” مضيفا: “بأن تداعيات الوباء ستكون لها آثار بالغة في صياغة العالم ما بعد الجائحة”.
وخاطب رؤساء البعثات الدبلوماسية بأنه يقع على عاتقهم “إحياء الإرث التاريخي النفيس لقيم نوفمبر المجيدة، قصد تعزيز دور الدبلوماسية في الحفاظ على المصالح العليا للأمة وتحقيق الطموحات الحضارية للجزائر الجديدة”.
وأشار إلى قرب استكمال آخر محطة من مسار تجديد المؤسسات المنتخبة، ويتعلق الأمر بالانتخابات المحلية المقررة في 27 نوفمبر الجاري “ركيزتها الشباب المثقف”.