شكل اعتداء القوات المغربية على مواطنين عزل بمنطقة الكركرات الصحراوية قبل سنة، منعرجاً حاسماً في مخطط تسوية النزاع الدائر في الصحراء الغربية، وخرق واضح لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين جبهة البوليساريو والمملكة المغربية سنة 1991 بعد 16 سنة من الحرب.
اليوم، تمر الذكرى الأولى لعودة الكفاح المسلح في وجه الاحتلال المغربي، في ظل تنامي عزلة الرباط واتساع رقعة الاعتراف الدولي بأحقية الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
يستعرض خطري أدوه مسؤول التنظيم السياسي وعضو الأمانة الوطنية لجبهة البوليساريو، في لقاء حصري خص به “الشعب أونلاين” تطورات القضية الصحراوية وتداعيات الحرب على المنطقة.
الشعب أونلاين: بعد مرور سنة على عودة الحرب في الصحراء الغربية بين جبهة البوليساريو والمغرب، ما الذي تحقق على أرض الواقع سياسياً و عسكرياً؟
مسؤول التنظيم السياسي: استئناف الكفاح المسلح الذي جاء نتيجة نسف المغرب نهائياً لاتفاق وقف إطلاق النار لفت أنظار المجتمع الدولي بأن الوضع في الصحراء الغربية لا يمكن أن يستمر على هذا الحال، وأن 29 سنة من محاولة إنهاء حالة الاستعمار من الصحراء الغربية كانت كافية للتأكيد بأن المغرب لا تتوفر لديه النية و لا الإرادة من أجل إنهاء حالة الاستعمار على القواعد والأسس التي نصت عليها قرارات الأمم المتحدة، وبالتالي فإن الذين يقفون خلف المغرب في مواقفه كانوا يشجعونه على التعنت وإضاعة الوقت وتحوير مسألة تصفية الاستعمار عن مسارها الحقيقي وعن إطارها القانوني، وبالتالي كان لابد من لفت انتباه المجتمع الدولي، للأسف فرض على الشعب الصحراوي أن يكون ذلك عن طريق استئناف الكفاح المسلح. الذي مكّن المجتمع الدولي من استرجاع ماهية القضية الصحراوية من الناحية القانونية كقضية تصفية استعمار، والتذكير بأن الصحراء الغربية منطقة لم تتمتع بعد بالاستقلال الذاتي وأن الشعب الصحراوي ينتظر ممارسة حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال، وعلى هذا الأساس، نرى أن أول من تفاعل بشكل جدي مع هذا الموضوع هو مجلس السلم والأمن على مستوى الاتحاد الإفريقي.
العمل القتالي مستمر بشكل يومي على مدار عام كامل، ففي كل المواقع هناك قصف على طول الجدار الدفاعي المغربي، وهناك خسائر فادحة في الجيش المغربي سواء في الأرواح أو في العتاد، وحديث الرأي العام في المغرب يؤكد بأن معنويات الجيش المغربي منهارة، وبأن الخسائر ثقيلة في الأرواح، وما يحدث من تعتيم في الخسائر هو تكرار لنفس تجربة نظام الاحتلال إبان السنوات الأولى من الحرب ضد الحسن الثاني الذي كان ينكر بدوره حينها وجود حرب في الصحراء الغربية رغم سقوط أسرى وغنائم في يد مقاتلي جبهة البوليساريو.
تكاليف الحرب باتت تفاقم من المشاكل والأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية داخل المغرب الذي يعاني من وضع “غير مريح” واتساع رقعة الاحتجاجات الشعبية، وهو الأمر الذي ينذر بحدوث الكثير من المستجدات داخل المغرب.
كيف تقيمون واقع حقوق الإنسان في المدن الصحراوية المحتلة؟ وما هي الخطوات التي ستتخذها الحكومة الصحراوية من أجل تأمين حياة المواطنين الصحراويين هناك؟
كلما شعر النظام المغربي بثقل الهزائم العسكرية وبزيادة وعي المجتمع الدولي بعدالة القضية الصحراوية، كلما نمت لدى المخزن هذه العدوانية والشراسة في التعامل مع الصحراويين العزل.
نظام المخزن يستهدف المدنيين العزل الأبرياء عديمي إمكانيات المواجهة والرد، ويحاصر المناطق المحتلة ويمنع حضور المراقبين الدوليين وشهود من خارج الاحتلال المغربي، هذه العدوانية الممارسة ضد النشطاء الصحراويين، تعكس أيضاً بأن نضال الشعب الصحراوي في المدن المحتلة وجنوب المغرب وفي المواقع الجامعية متواصل بشكل يومي.
كان من المفروض على المجتمع الدولي الرد على هذه العدوانية، ولكن للأسف لا يزال متأخراً عن هذه المواعيد، ولكننا سنواصل الكفاح سواء عن طريق مقاتلي جيش التحرير الصحراوي أو في المنابر الدولية والمدن المحتلة حتى يُسلّم الاحتلال المغربي ومن يقفون وراءه ويستقوي بهم سواء في الماضي أو الحاضر بأن لا فائدة من محاولة ثني الشعب الصحراوي عن كفاحه وفرض الأمر الواقع.
هل تعتقدون أن دول الاتحاد الأوروبي سواء بشكلها الاتحادي أو منفردة، ستلتزم بما جاء في قرار محكمة العدل الأوروبية؟ وهل ستواصل جبهة البوليساريو جر الرباط إلى أروقة المحاكم الدولية من أجل تأميم باقي حقوق الشعب الصحراوي؟
نحن نأمل اليوم أن يستفيد الاتحاد الأوربي ودوله من التجربة بعد محاولتهم الالتفاف على قرارات محكمة العدل الأوربية في سنة 2016 و2018 التي أوقفت اتفاقيات الصيد البحري مع المغرب التي تشمل المياه الإقليمية للصحراء الغربية، المحكمة تؤكد مرة أخرى في 2021 بأن كل هذه الاتفاقيات غير شرعية وغير مقبولة لأن قرار محكمة العدل الأوربية أكّد مرة أخرى بأن المغرب والصحراء الغربية بلدان متمايزان ومنفصلان.
على دول الاتحاد الأوربي أن يدركوا أن أساليب التحايل التي مورست ليست على القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، بل حتى على العدالة الأوروبية التي ستضعهم في ورطة، وسيجدون أنفسهم ملزمين بتعويض الخسائر التي لحقت بالشعب الصحراوي طيلة هذا الزمن.
نحن ننصح الأوروبيين بالالتزام بعدالتهم على الأقل، ونحن نبدي كل التعاطي مع من يعتقد أن لديه مصالح في الصحراء الغربية شريطة أن تتم بموافقة الشعب الصحراوي وممثله الشرعي الوحيد جبهة البوليساريو.
على الدول الأوروبية خاصة فرنسا وإسبانيا البدء في التعامل والتعاطي مع حقيقة أن الدولة الصحراوية عضو ثابت في الاتحاد الإفريقي ليس من الناحية السياسية والدبلوماسية بل حتى من الناحية الاقتصادية والأمنية.
- العمليات القتالية لن تتوقف عند هذا المستوى
جبهة البوليساريو اليوم أمام امتحان صعب وضغط كبير ومطالبة بإبراز انتصارات ملموسة واثبات وجود حرب في الصحراء الغربية التي لا يزال المغرب ينكرها، كيف تردون على هذه المطالب؟
الحرب الدائرة في الصحراء الغربية بين جبهة البوليساريو والمغرب أكيد لن تتوقف عند المستوى الذي هي عليه اليوم، وهذه الحرب ستذهب إلى مناحي تصعيدية في كل مرة وعلى كل الواجهات.
النظام المغربي يحاول جاهداً التشويش على كل هذه الوقائع و التستر على الحرب، غير أن الأمور باتت مكشوفة وسنعمل على استغلال كل الامكانيات من أجل إبراز كفاح الشعب الصحراوي.
أجرى الرئيس الصحراوي حركية جزئية في أسلاك الجيش، استحدث من خلالها منصب رئيس للأركان، ما دلالات هذه الخطوة؟ وهل لها علاقة بأي خطوات تصعيدية مستقبلاً؟
المواجهة مع الاحتلال المغربي في طريقها إلى التصعيد سواء في العمليات القتالية أو في المدن المحتلة، ونحن في كل مرة نضع الخطط اللازمة والتدابير المطلوبة ونوظف الامكانيات اللازمة للتكيف مع متطلبات المواجهة مع الاحتلال المغربي.
التدابير الأخيرة لن تكون الأخيرة طبعاً، فنحن في ظرف متحرك وكفاح حيوي وسنقوم بما يلزم وبما تتطلبه ظروف الحرب في كل مرحلة.
- نحن في حرب، وفي الحرب لا يستثنى أي شيئ
هل حديثكم عن التصعيد قد يشمل عمليات مسلحة في المدن المحتلة و في المرافق الحيوية المغربية؟
هذا أمر وارد، وهو خاضع لمتطلبات كل مرحلة، فنحن في حرب تتطلب خطط وتدابير وإجراءات متروكة للتقديرات بما يناسب خصوصيات كل مرحلة.
ما أود الإشارة إليه، هو أن المغرب هو الذي فرض الحرب والعودة الى المواجهة المسلحة، وهو الذي يفرض الآن التصعيد، واستقوائه بقوى من خارج المنطقة هو سبب كافٍ للمزيد من التصعيد والخطط حتى يكون كفاح الشعب الصحراوي مؤثراً، نحن في حرب، وفي الحرب لا يستثنى أي شيئ، فكل الخيارات متاحة بما تتطلبه كل مرحلة من مراحل الحرب وبالشكل الذي يرد على تعنت و غي النظام الملكي التوسعي.
- توغل الرباط في علاقات مشبوهة وتصريحات استفزازية ستنسف العرش الملكي
في خطابه الأخير بمناسبة ذكرى ما يسمى “المسيرة الخضراء”، صرح العاهل المغربي بأن قضية الصحراء الغربية لم تكن يوماً مطروحة للتفاوض، هل هذا التصريح من شأنه تقويض جهود السلام في المنطقة؟
هذا التصريح يؤكد بأن ملك المغرب لا يفهم المسار منذ اليوم الأول وبأنه يحاول الضحك على المجتمع الدولي.
المغرب تفاوض في وقت سابق مع جبهة البوليساريو حول الاستفتاء، وتجاوزنا مرحلة التفاوض الى التفاهم، واتفقنا سنة 1991 على تنظيم استفتاء من أجل تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في تقرير المصير بخيارين محددين إما الاستقلال أو الانضمام، وكل هذا موثق.
مثل هذه التصريحات تعكس التعنت وتعكس كذلك الضعف، وإصرار المغرب على عدم الخوض في جوهر المشكل والتركيز على الهوامش هو سبب فشل مساعي الأمم المتحدة وجهود كل المبعوثين الشخصيين للأمين العام للأمم المتحدة وأفشل مهمة المينورسو.
رجوع الملك لمثل هذا الطرح ليس في موقعه وليس في وقته، على أصدقاء المغرب والحريصين على مصالحه أن ينصحوا الملك بأن مثل هذه المواقف لا تفيد بل تفاقم الوضع، خاصة وأن المغرب بات معزولاً ومحشوراً في زاوية، فرضت عليه هذه العزلة الدخول في تعاون عسكري مع الكيان الصهيوني ما أكّد ضعفه وعدم مقدرته على تأمين ما كان يحظى به من مساعدات ودعم ومرافقة على كل المستويات بما يغنيه عن اللجوء إلى الكيان الصهيوني.
كل تصريحات المغرب وعلاقاته تعكس مدى الضعف الذي يتخبط فيه، وتوغله في مثل هذه العلاقات والتصريحات ستنسف العرش الملكي، فالملك المغربي بطريقة تسييره الحالية للأمور تنبئ بأن العرش لن تطول لأكثر من سنوات معدودة.
كلمة أخيرة
من منبركم هذا أحيي الشعب الجزائري الشقيق والجزائر الشقيقة، والجزائر العظيمة بدأت تتبوأ مكانتها الحقيقية بين القوى الإقليمية، ولديها من الامكانيات والمؤهلات ما يؤكد كل هذا، نثمّن الدور الذي تقوم به الجزائر في المحيط الاقليمي من أجل –ليس فقط تسوية الخلافات في ليبيا ودول الساحل- ولكن من أجل كذلك توطيد العلاقات على أسس من التعاون والتنمية والتعايش فيما بين شعوب المنطقة.
أنا أعتقد أن الجزائر اليوم تقود تيارا إقليميا ودوليا ضاغطا باتجاه تكريس السلم والأمن والاستقرار، وستكون مصدر إلهام للشعوب الأخرى بما فيها الشعب المغربي حتى نذهب بشكل جماعي إلى بناء مغرب عربي للشعوب وليس على أسس تنسف في كل مرة الاستقرار والأمن.