جميع المستجدّات تصب حول حقيقة الاهتمام الأمريكي الواضح والمتزايد بالقارّة السّمراء، ولا يخفى على أحد أنّ إستراتيجية جديدة وتوجّه مختلف يفضّل بايدن تبنّيه لتوطيد علاقاته، وتعزيز تواجد بلاده في عمق القارة الإفريقية، منجذبا نحو العديد من المزايا ومدفوعا بسلسلة من العوامل، على خلفية السّوق الكبيرة والمغرية التي تضمنها القارة الإفريقية على عدّة مستويات، ومختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية، بالإضافة إلى الانتباه اللاّفت للموقع الاستراتيجي للقارّة المحاذي لمنطقة الشرق الأوسط والقارة العجوز، لاسيما أنّها شهدت خلال العقد الأخير اهتمام أكبر الدول، وبسبب ذلك صار السّباق نحوها محموما بل تتصاعد منه منافسة شرسة.
الرّئيس بايدن عازم على الذّهاب بعيدا ليضمن مكانا وموطأ قدم لأمريكا في القارة السمراء، لدواعي اقتصادية وجيوإستراتجية وحيوية وتكتيكية، لذا منذ قدوم بايدن حاملا لموقف إيجابي، ومظهرا سقفا من الاحترام للبلدان الإفريقية، سجّل تغير جذري في خطاب البيت الأبيض، وظهرت نيّة وعزم تجلى من خلال استعداد أمريكا للتجند مع الدول الإفريقية للقضاء على الإرهاب، الذي يغذّي بؤر التوتر وينشر الفوضى، ويحرم شعوب القارة من الأمن والاستقرار، ويحسب لبايدن قبل دخوله للبيت الأبيض كرئيس أنّه يملك علاقات سابقة مع القارة السمراء تترجمها سمعة طيّبة اكتسبها نظير مواقفه الدّاعمة للقارة، عندما كان نائبا للرئيس الأسبق أوباما، عبر سعيه المستمر في تحسين العلاقات الأمريكية الإفريقية، وكذا اعترافه بالدور المهم للمهاجرين الأفارقة في بلد العم سام.
جولة أنتوني بلينكن وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية إلى ثلاث دول إفريقية الأسبوع الجاري، ويتعلق الأمر بكل من كينيا ونيجيريا والسنغال، الظاهر فيها بداية الانطلاق نحو تعميق وتقوية التعاون الأمريكي مع نظيره الإفريقي، وتقاسم وجهات النظر والاتفاق حول الأولويات العالمية المشتركة، لكن يجري الحديث أنّ بلينكن سيطرح ملفات يتناول فيها ترقية الديمقراطية وتعزيز السّلام والأمن بالقارة، ولا يغفل أنّ وزير الدبلوماسية الأمريكي سيرافع عن اقتصاد عالمي أكثر شمولا، وسيوظّف جميع الأوراق المتاحة لجعل بلاده حاضرة بقوّة عبر تهيئة مسارات التعاون التي ستكشف أمريكا عن تفاصيلها مستقبلا، ولعل هذه الدّولة الكبيرة والمتطوّرة، تعي جيدا أنّ أول خطوة للتغلب على منافسيها بهذه القارة القديمة، كسب الثقة، العامل الجوهري في بناء علاقات جديدة مثمرة ومستمرّة.
موقع الشعب يستخدم نظام الكوكيز. استمرارك في استخدام هذا الموقع ، فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط. تفضل بزيارة سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط . موافق