التّحفيز على تلقي التلقيح طوعا أنجع من الإجبار عليه
أكّد أخصائي علم الأوبئة البروفيسور عبد الرزاق بوعمرة في حوار مع «الشعب»، أنّ حالة التراخي واللامبالاة غالبا ما تكون مقدمة لحدوث موجة جديدة للوباء، خاصة وأن عدد الإصابات في ارتفاع حتى وإن كان طفيفا ومن خلال التجارب السابقة مع الموجات السابقة، وبالنظر الى المعطيات في الميدان، اعتبر الحديث عن تداعيات موجة رابعة محتملة على السنة الدراسية سابق لأوانه، خاصة وأن المؤسسات التعليمية ومنذ ظهور الوباء ملزمة بتطبيق بروتوكول صحي يكون فيه التباعد الاجتماعي وارتداء القناع الواقي أهم التدابير لمنع انتشار العدوى داخلها.
– الشعب: هل دخلت الجزائر موجة رابعة أم لا؟
البروفيسور عبد الرزاق بوعمرة: لا يمكن القول بدخول الجزائر موجة رابعة بالنظر إلى بعض المعطيات المتوفرة، من بينها حالات الإصابة الجديدة، فبالرغم من ارتفاع عددها إلا أنها تعاود الانخفاض مرة أخرى، ما يعني أن المنحنى التصاعدي غير ثابت، وأن بقاءه بين صعود ونزول، يتناقض مع القول بدخول الموجة الرابعة.
فحتى نجزم بذلك لا بد من تصاعد مستمر ومتواصل لمنحنى الإصابات الجديدة، أي أن المنحنى في حالة حدوث موجة يتصاعد إلى غاية بلوغه الذروة ثم يبدأ في التنازل، وهو بالضبط ما رأيناه في الثلاث موجات السابقة خاصة الثالثة، ونحن لم نصل بعد إلى هذه الوضعية، بل عرفت بعض الولايات ارتفاعا في حالات الإصابة كبجاية والبليدة ما ساهم في ارتفاع عددها الإجمالي.
– هل سيكون أثر إعادة فتح قاعات الحفلات والملاعب سلبيا أو إيجابيا على الوضع الوبائي؟
إذا تمّ ربط فتح قاعات الحفلات والملاعب باحترام الإجراءات الوقائية الفردية كارتداء القناع الواقي والتباعد الاجتماعي بالإضافة الى الجواز الصحي، يمكن القول حينها إنّها ستساهم بتسريع عملية التلقيح لنتمكّن من بلوغ نسبة المناعة المنشودة، ففتحها المشروط سيجعل العودة الى الحياة الطبيعية ممكنة بعيدا عن الخوف من العدوى.
فالتعايش مع الوباء هو أن نعيش حياتنا بصفة عادية لكن مع احترام الإجراءات الوقائية والتلقيح لأنّه السبيل الوحيد للتخفيف من حدة أعراض الإصابة في حالة تلقي عدوى فيروس كورونا أو سلالاته المتحوّرة، لذلك يمكن اعتبارها عودة حذرة إلى الحياة الطبيعية من خلال الإبقاء على اليقظة في احترام التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامة، وكذا أخذ جرعتي اللقاح، طبعا مع التزام الجهات الوصية الصرامة في التعامل مع كل متراخ في احترام الشروط المحددة في التعليمات الوقائية.
ويتطلب الأمر مراقبة مستمرة لقاعات الحفلات والملاعب لمنع أي تهاون في تطبيق القانون، خاصة إذا علمنا أن قاعات الحفلات معروفة بعدد المدعوين الكبير والاختلاط بالإضافة إلى أنها فضاء مغلق، لذلك كان لا بد من تلقيح الأشخاص المدعوين إلى الوليمة، وهي فرصة ذهبية للتحسيس بأهمية التطعيم ضد فيروس كورونا.
– ما مدى جاهزية المؤسّسات الاستشفائية لموجة محتملة؟
منح استقرار الوضع الوبائي في الجزائر منذ شهرين تقريبا إطارات ومستخدمي الصحة استراحة خرجوا فيها من الضغط الكبير الذي عاشوه في موجة ثالثة عرفت ارتفاعا كبيرا في عدد الإصابات، فاليوم تعد المستشفيات فارغة تقريبا من حالات كورونا مع وجود عدد اقل في مصالح الإنعاش، في المقابل يجب ألا ننسى وجود احتمال موجة رابعة، خاصة على ضوء مؤشرات دولية دخول بعض الدول في موجة رابعة كألمانيا، بريطانيا وفرنسا حيث سجلت ارتفاعا كبيرا في عدد الإصابات الجديدة.
بالإضافة الى عامل داخلي مهم هو تراجع الاقبال على التلقيح، فإذا أجرينا مقارنة بين نسبة الفئة المحمية أو الملقحة ونسبة الفئة غير المحمية غير الملقحة نجد نسبة الأخيرة أكبر من الأولى، ما يعني أن العدوى ستكون كبيرة في حالة دخول الجزائر موجة رابعة، فحتى نستطيع تفادي موجة قوية يجب أن تكون النسبة الأولى أكبر من الثانية، لكن يمكننا القول إن المؤسسات الاستشفائية جاهزة من حيث التأطير والأدوية خاصة الأوكسجين ولوفينوكس.
– كيف ذلك؟
اكتسب الأطباء الجزائريّون تجربة مهمّة في مكافحة الوباء، فخلال سنتين واجهوا مع مختلف مستخدمي الصحة ثلاث موجات أعطتهم خبرة تقنية وميدانية في التعامل مع الوباء، وفي لقاء مع الوصاية نظّم لتقييم تعامل القطاع مع الثلاث موجات السابقة، واستعدادا كذلك لموجة رابعة محتملة، ومن بين الأسئلة المطروحة كان تلك التي تدور حول توفر الأوكسيجين ولوفينوكس في المصالح الاستشفائية.
وأظن أنّ المصالح الطبية عبر كامل التراب الوطني أخذت بعين الاعتبار أهمية توفير الأوكسجين في المؤسسات الاستشفائية، حيث تم رفع محطات توليد الاوكسجين فيها، لأنه كان أهم مشكل واجهناه في الموجة الثالثة، أما فيما يتعلق بالأدوية، خاصة تلك التي يزداد الطلب عليها بصفة خاصة لوفينوكس، فالجهود بذلت وما زالت تبذل لتوفيرها بكمية كبيرة نظرا لأهميتها في البروتوكول العلاجي الخاص بفيروس كورونا.
بالإضافة إلى تخصيص أسرة إضافية يزيد عددها حسب الحالات الصعبة المسجلة في مصالح الإنعاش في حالة دخول الجزائر موجة رابعة، حيث يتم الاستعداد لأي موجة أخرى مع ظهور بوادرها الأولى في العالم، ومن المفروض ومع تأكيد دخولنا موجة رابعة، سيتم فتح مستشفى كوفيد للتعامل مع الحالات الجديدة، ويرتبط فتح أخرى بمعطيات الوضعية الوبائية في حينها.
– أمام تسجيل تراجع الإقبال على التلقيح، هل سيفرض خيار إجبار أخذه؟
لا يمكن الحديث عن إجبارية التلقيح لأنه خيار شخصي للفرد في التوجه الى مراكز التلقيح لأخذ جرعتي اللقاح، وبالنظر الى المستجدات العالمية نجد دولة واحدة في العالم فرضت على مواطنيها التلقيح، بينما ومن جهة أخرى فرضت الجواز الصحي لارتياد بعض الأماكن المعينة، لذلك سيكون الجواز الصحي وسيلة ناجعة لتعزيز حملة التلقيح في الجزائر، خاصة وأن الشخص مثلا لن يذهب للتلقيح الاجباري لكنه إن أراد مشاهدة مباراة في كل القدم مثلا سيذهب طواعية الى أخذ اللقاح لأنه يعلم أن دخوله الى المدرجات مرهون بجواز صحي إجباري.
– كيف سيكون مصير السنة الدراسية في حالة حدوث موجة رابعة؟
الحديث عن مصير السنة الدراسية سابق لأوانه، حيث وضع برتوكول صحي مضبوط للمؤسسات التعليمية، وبالنظر الى الموجة الثالثة التي عرفت ارتفاعا في عدد الأطفال المصابين بالعدوى، كانت الحالات المعقدة قليلة جدا، فمثلا في الفئة أقل من 12 سنة الحالات المعقدة قليلة، لكن الحالات المعقدة عند الطفل أو المتمدرس ليست في الجزائر، فقد سجلت نسبة اقل من1 بالمائة للحالات الحرجة، أما أمريكا التي تتميز بأطفال يعانون السمنة وأمراض أخرى فسجلت 2.5 بالمائة من الحالات المعقدة، بينما في فرنسا أحصت اقل من 0.79 بالمائة.
لذلك وقبل أخذ قرار تطبيق الحجر الصحي وغلق المدرسة، يجب أولا في حال ارتفاع عدد الإصابات او انتشار العدوى غلق القسم أولا قبل غلق المؤسسة التعليمية، وعليه في المرحلة التي نعيشها وبالنظر الى الوضع الوبائي يعتبر الحديث عن تداعيات موجة رابعة محتملة على السنة الدراسية مبكر جدا، فحتى في الموجة الثالثة وبالرغم من قوتها لم نتحدث عن سنة دراسية استثنائية.