اتضحت معالم التحوّل الطاقوي ليأخذ مجراه في الميدان كحتمية وليس خيارا، بالنظر للتداعيات التي تنجر عن التعاطي غير المنضبط مع الثروة النفطية وبالذات الغاز الطبيعي.
من بين مؤشرات ذلك الحرص على تشكيل وتنصيب المجلس الأعلى للطاقة في أقرب وقت، مثلما شدّد عليه الرئيس تبون، لما لهذا الإطار النوعي من أهمية في الاستشراف والتقييم لرسم خارطة طرق تتجاوز الظرفية والتقلبات في الأسواق العالمية.
ومن شأن هذه الهيئة التي ينبغي أن تضم كفاءات ذات ثقل في التشخيص والتحليل وبناء الحلول الذكية في عالم الطاقة، أن توفر للقرار السياسي كل المؤشرات والأدوات التي تساعد على انتهاج مسار واضح الأهداف، يرتكز على معطيات تدرج ضمن رؤية سديدة تحمي حقوق المجموعة الوطنية في زمن عولمة تترصد ثروات الشعوب وتتحين فرصة الاستحواذ عليها، من خلال زعزعة الأسواق وإثارة النزاعات.
سنوات طويلة والخبراء في مجال الطاقة يتطلّعون لتشكيل هذا الإطار الذي يضع الضوابط المتعلقة بالسياسة الطاقوية بكافة جوانبها، خاصة ترشيد الاستهلاك وحماية الاحتياطيات وتحسين معدلات التصدير موازاة مع بناء نموذج للانتقال الطاقوي نحو مختلف مصادر الطاقة المتجدّدة، تقرر أن تبدأ على مستوى قطاعات كبار المستهلكين من مؤسسات مرافق أصبحت أمام تحد مصيري، بأن تنخرط في هذا المسار بما يحمي الطاقات التقليدية مع حسن توظيفها في معادلة التنمية وتأمين موارد بالعملة الصعبة، على الأمد المتوسط على الأقل، إلى حين استكمال التحوّل الاقتصادي الشامل بتوقيع قطيعة تامة مع المحروقات.
ومن شأن المجلس الأعلى للطاقة، بكونه منبرا لصياغة تصوّرات وحلول علمية، أن يبدّد المخاوف ويفكك رموز معادلة لا تزال تشكل مصدرا للثروة، بل ومولدا لها إذا ما استغلت بواقعية وذكاء في تحريك باقي دواليب الجهاز الاقتصادي ضمن الرؤية المستقبلية، عنوانها الإنتاج والتنافسية والتصدير، وقد بدأت ثمارها تلوح في الأفق، عبر اقتحام المنتوج الجزائري أسواق الجوار، في انتظار تحقيق مكاسب أكبر في العمق الإفريقي والعربي.
ولعل ما يمثّل تحديا للمجلس المرتقب إحاطة الطاقة بكل مكوناتها بمرافقة اقتصادية متبصّرة، مع الحرص على حماية حقوق الأجيال من مخاطر محدقة لا يمكن الاختلاف بشأنها.
موقع الشعب يستخدم نظام الكوكيز. استمرارك في استخدام هذا الموقع ، فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط. تفضل بزيارة سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط . موافق