دخل القضاء مرحلة جديدة نوعية بتنصيب المحكمة الدستورية، التي شرعت في العمل. ولعل أول ما يرتقب أن تحسم فيه، الخلاف القائم حول دستورية المادة 24 من قانون مهنة المحاماة، المثيرة لجدل بعد “فتوى” المجلس الدستوري السابق.
تنقية الأجواء بين شركاء مرفق العدالة، تمر حتما عبر ما يصدر عن الهيئة الدستورية الجديدة، خاصة وأنها ذات صلاحيات ذات طبيعة قانونية وقضائية، يكون أول قرار بتصويب مسار الجدل القائم في الوسط القضائي، الذي تنتظره إصلاحات دعا إليها الرئيس تبون وأشار إليها وزير العدل حافظ الأختام، لما قال إن المواطن يشعر بعدم الارتياح وهو يقصد مرفق القضاء.
بطبيعة الأمر يمثل هذا النقد الذاتي مؤشرا صحيا يضع الجميع أمام المسؤولية في بناء دولة الحق والقانون، والتي من معانيها السامية أن يستعيد المواطن ثقته في القضاء، وهو تحدٍّ يمكن رفعه بمساهمة كافة الأطراف من خلال التزام قواعد الشرعية والأخلاقيات؛ ذلك أن أرقى القوانين والإجراءات لا يمكن أن تحقق مبتغى العدل في غياب الشفافية وتحصين حقوق المتقاضي عبر تبسيط الإجراءات وضبط التشريعات لتزول مواطن الظل والغموض، التي غالبا ما تفتح المجال لاجتهادات تضر بالحق.
لقد خلفت تراكمات الماضي اختلالات تمخضت عنها تداعيات سلبية لطخت سمعة هذا المرفق، الذي يقف على عتبة استعادة التوازن في المشهد وفقا للدستور، وهي غاية تصب مباشرة في مصلحة المجتمع، ليتدارك التحديات التي تلوح في الأفق، مرتكزا على قاعدة صلبة تحمي الحقوق وتدقق في المهام، أمر ترعاه المحكمة الدستورية حتى لا تتغوّل سلطة على أخرى ومن ثمة تأمين العبور السليم إلى دولة الحق والقانون.
مفاهيم عديدة تحتاج إلى تدقيق، لعل أبرزها تصحيح معادلة العلاقة بين القضاء والدفاع، بما يجسد روح التشريعات وفحوى الخيارات من جانب ويرسي الثقة في نفوس المواطنين من جانب آخر، فيرمم جسر الثقة بين الشركاء، عماده مصلحة المواطن وسلطان القانون، إشكالية تبقى قائمة إلى حين إصلاح جملة قوانين ذات صلة توجد أمام المجلس الشعبي الوطني، الذي لا يزال يعاني من ظاهرة غياب النواب في جلسات النقاش، أمر مستهجن بعد كل الذي جرى.
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.