تتحدث مايا فاضل ساحلي جزائرية، نائب رئيس اللجنة الافريقية لحقوق الانسان والشعوب، عن هذه اللجنة، وقضايا الساعة في إفريقيا، وعن حقوق الإنسان، بلباقة دبلوماسية تعرف ما تقول..
– جزائرية في نيابة رئاسة اللجنة الافريقية لحقوق الانسان والشعوب.. من هي الأستاذة مايا ساحلي؟
انتخبت الأستاذة مايا فاضل ساحلي في منصب نائب رئيس اللجنة الافريقية لحقوق الانسان والشعوب في 15 نوفمبر الفارط. وتقدم وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، رمطان لعمامرة، بتهانيه للاستاذة مايا ساحلي لانتخابها بالاجماع في هذا المنصب.
الأستاذة مايا فاضل ساحلي: درست القانون في جامعة الجزائر منذ عام 1981 وفي المعهد الدبلوماسي للعلاقات الدولية (IDRI) والمدرسة الوطنية للقضاء (ENM) منذ عام 2000. عملت كمحامية في الجزائر العاصمة وعضوا في نقابة المحامين من عام 1987 إلى 1994. وعضوة في اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب منذ عام 2011.
وبهذه الصفة، عملت مقررة خاصة للاتحاد الأفريقي مكلفة باللاجئين وطالبي اللجوء، والنازحين والمهاجرين في أفريقيا، وكنت عضوا في فريق عمل حول عقوبة الإعدام وفريق مكلف بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. بين 2008 و 2014، عملت عضوًا في فريق عمل للأمم المتحدة مكون من خبراء مكلفين بقضية المنحدرين من أصل أفريقي.
انتخبت نائب رئيس اللجنة الافريقية لحقوق الانسان والشعوب، بعد مسار عمل دام 10 سنوات كمقرر خاص للاتحاد الافريقي حول اللاجئين وطالبي اللجوء، والنازحين والمهجرين..
تجري انتخابات اللجنة كل سنتين، وبما أنني أنهي ولايتي في 2023، رأيت أن الوقت مناسب للترشح لمنصب نائب رئيس اللجنة، لأنني اكتسبت الخبرة الكافية لهذا المنصب بعد حوالي 10 سنوات خدمة في اللجنة الافريقية.
وللسماح بالتناوب في إطار الميثاق، وضعنا حدًا لولايتين فقط، رغم أن نص اللجنة لم يحدد عدد تفويضات المحافظ، فضلنا هذه الصيغة لترجيح مبدأ التناوب على السلطة، الغائب غالبا في بلدان افريقية كثيرة.
– شاركت في أعمال الدورة العادية 69 للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب بدكار (السنغال). ما هي ٱليات عمل اللجنة والقضايا التي تتناولتها الدورة الحالية وسط توترات، خاصة في السودان وإثيوبيا، المهددة بمجاعة..؟
أنشئت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب بموجب المادة 30 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب “من أجل النهوض بحقوق الإنسان والشعوب في أفريقيا وحمايتها”
للتذكير، تم التصديق على الميثاق الافريقيي في 1981 من طرف 54 دولة افريقية، باستثناء المغرب الذي رفض التوقيع والمصادقة على الميثاق الذي دخل حيز التنفيذ عام 1986.
يوجد مقر أمانة اللجنة في بانجول، غامبيا. بالإضافة إلى تنفيذ أي مهام أخرى قد يكلفها بها مؤتمر رؤساء الدول والحكومات ، فإن اللجنة مسؤولة رسميًا عن المهام الرئيسية الثلاث التالية:
حماية حقوق الإنسان والشعوب،تعزيز حقوق الإنسان والشعوب، وتفسير الميثاق الأفريقي
تتكون اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب من 11 مفوضًا يمثلون 5 مناطق فرعية أفريقية. نعمل داخل اللجنة بمبدأ الدورة، 4 دورات عادية خلال السنة.
انقسمت الدورة إلى جلسة عامة من 5 إلى 26 من شهر نوفمبر الفارط،، وتلتها جلسة خاصة من 26 إلى 5 ديسمبر.
في الجلسة العامة، اجتمعت الدول مع منظمات انسانية تابعة اللأمم المتحدة، وممثلي أجهزة الاتحاد الأفريقي، ومنظمات وطنية لحقوق الإنسان (على سبيل المثال في الجزائر المجلس الوطني لحقوق الإنسان)، ومنظمات المجتمع المدني في أفريقيا. ثم تأتي الجلسة الخاصة لمدة 10 أيام حيث يلتقي المفوضون فيما بينهم مع الأمانة العامة.
خلال الجلسة العامة، تقدم الدول تقاريرها عن حالة حقوق الإنسان في بلادها، والتقدم المحرز في هذا المجال، والصعوبات والتحديات التي تواجهها. وترد على توصيات اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب في مسائل احترام حرية التعبير، وترقية المرأة ، وحقوق الطفل…، أي باختصار يجب عليها تقديم تقارير عن إجراءات ملموسة تطبيقا للميثاق الأفريقي.
ما يميز الدورة الحالية هي أنها جلسة مختلطة، يلتقي المفوضون مع الأمانة العامة في داكار ، بينما يتدخل رؤساء الدول ووفودهم عن طريق المحاضرة عن بعد بالفيديو من بلادهم، بسبب الوضع الصحي الناتج عن Covid-19.
وتقدم المجالس الوطنية لحقوق الإنسان حصيلة أعمالها، على شكل تقارير ما بين الدورات. نستمع أيضا للجمعيات أو المنظمات غير الحكومية التي تأتي للتنديد بحالات انتهاك حقوق الإنسان في بلدانهم.
استمعنا خلال هذه الدورة مثلا لإعلان دولة البنين التي اعتمدت نصوصًا جديدة بشأن حماية المرأة والحق المجاني في التعليم.
بناء على هذا التقرير يحرر المحافظ المكلف بالدولة تقريرًا آخر بالمجالات الإيجابية وأوجه القصور والنقائص في مجال حقوق الإنسان ، في شكل ملاحظات ختامية ، مع توصيات جديدة يجب على الدولة المعنية الرد عليها لاحقًا.
في الجلسة الخاصة، يجتمع المفوضون فيما بينهم للنظر في الملفات والشكاوى والبلاغات ، على مستوى المقبولية، والوقائع، وتحليل الاختراقات والانتهاكات.
بعد الدراسة ، يتم تقديم توصيات إلى الدولة المعنية لإصلاح الضرر.
كما نقوم بدراسات ونعتمد مبادئ توجيهية، خلال هذه الجلسة، على سبيل المثال، اعتمدنا مبادئ توجيهية لحالات الاختفاء القسري لجلب انتباه الدول حول خطورة القضية، بدلاً من التوجه نحو اتفاقية لا تلزم الدول.
هناك ديناميكية حقيقية في المجتمع المدني الأفريقي لتعزيز حقوق الإنسان، وعمل حقيقي في القارة السمراء في مجال حقوق الانسان والشعوب تقوم به منظمات غير حكومية وجمعيات مدنية ناشطة في الميدان، لكن تنقصنا مزيد من الإرادة من الدول والمنظمات الحكومية.
لا أحد مثالي عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان
ما رأيك في ما يحدث في إثيوبيا وكيف يمكن للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب أن تضمن حماية حقوق الإنسان هناك؟
عند مواجهة انتهاكات جسيمة وخطيرة لحقوق الإنسان في النزاعات الداخلية، هناك احتمالان. لدينا 3 ولايات. تفويض للتأكد من مدى تطبيق أحكام الميثاق الأفريقي، تفويض لترقية حقوق الانسان، وآخر لتفسير أحكام الميثاق الافريقي.
تمنحنا المادة 58 من الميثاق الافريقي في تفويض الحماية، حق اللجوء إلى مؤتمر رؤساء الدول عندما لا يتعلق الأمر بمنطقة نزاع مسلح.
نملك أيضا حق إنشاء بعثات ومهمات لتقصي الحقائق أو اثبات حالات انتهاك حقوق الانسان.
في 17 جوان الماضي، صدر قرار من اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب بإنشاء لجنة تقصي في منطقة تيغراي، وأنا كنت عضوا في هذه اللجنة المكونة من 5 مفوضين: الرئيس الحالي للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب ، والمفوض التونسي المسؤول عن التعذيب ، ومفوض أنغولا المسؤول عن استخدام القوة من قبل الشرطة والسجون والاعتقال ، وكذا المفوض الزامبي المسؤول عن البلاد.
كان من المقرر أن تتنقل اللجنة إلى منطقة تيغراي، لكن السلطات الإثيوبية رفضت زيارة اللجنة بسبب رفضنا العمل مع المفوضية الوطنية الإثيوبية لحقوق الإنسان، لأن العمل معها لن يكون حياديا وموضوعيا.
لكن المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، في جنيف قبلت العمل مع مجلس حقوق الإنسان الإثيوبي. وهذا يعني أن المنظمات الأفريقية يمكن أن تكون أكثر صرامة بشأن مسألة الحياد عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان.
واكتفت اللجنة بفحص الشهود في مواقع آمنة للحفاظ على سرية هويتهم. وكان من المفروض أيضا أن نزور مخيمات لاجئين اثيوبيين في السودان (5 مخيمات استقبال ومخيمين دائمين)، لكن البعثة لم تتنقل بسبب التطورات الأخيرة في السودان، والأوضاع المأزمة هناك.
يمكن لمفوض الدولة التنديد بانتهاكات حقوق الانسان ولفت انتباه المجتمع الدولي في بيان صحفي.
ويمكن للمفوض أيضًا أن يوجه نداءًا عاجلاً، بالاتصال برئيس الدولة، للإبلاغ عن حالة انتهاك حقوق الإنسان على شخص، أواختفاء قسري لناشط حقوقي مثلا…
قرارات اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب ليست ملزمة للدول، ماهي إذن ٱليات وميكانيزمات تطبيق فعلي لقرارات اللجنة؟
حقيقة قرارات اللجنة الافريقية على غرار قرارات منظمات أخرى غير ملزمة، لكن أذكّر أن هناك 3 مستويات للقرار: الإعلان ، التوصية ، والقرار (الالزامية تقتصر على قرارات التدخل العسكري الصادرة عن مجلس الأمن).
قد لا يكون للقرار قوة الالتزام ولكن قد يأخذ هذا الطابع نسبة لكثرة اللجوء إليه ومدى تطبيقه، أونسبة لوزن الدول الموقعة والمصادقة عليه.
الاعلان العالمي لحقوق الانسان مثلا أصبح مرجعا في مجال احترام حقوق الانسان، بالممارسة، وكثرة اللجوء إليه.
مهاجرون ونازحون أفارقة يعيشون مأساة حقيقة …
في القارة الأفريقية ملايين النازحين داخليا والمهجرين بسبب نزاعات مسلحة أو انتشار العنف الجماعي أو أزمات اقتصادية أو اجتماعية.
ما الأداة الكفيلة بتقديم استجابات وحلول لسكان منكوبين أو مضطهدين بسبب أزمات متكررة في القارة؟
أثناء بعثات اللجنة الافريقية، نزور السجون ومخيمات اللاجئين، لكن المشكلة في إفريقيا أن اللاجئين دائمين، فاللاجئون الصحراويون، المتواجدون في تندوف على سبيل المثال، مستقرين منذ أكثر من 40 عامًا.
زرت مخيمات لاجئين صحراويين في تندوف، ورغم أن وضعهم المعيشي أحسن بكثير من لاجئين في بلدان أخرى، إلا أن حلم أي لاجيء هو العودة لبلده الأصلي والعيش بين ذويه في أمان.
سجلنا مرات طلب القيام ببعثات لزيارة الأراضي المحتلة في المغرب والاطلاع على ظروف المواطنين الصحراويين هناك، لكن طلبنا قوبل بالرفض من مملكة المغرب لأنه لم يصادق أصلا على الميثاق الافريقي لحقوق الإنسان والشعوب.
في إريتريا تتواجد معسكرات نازحين منذ عشرات السنين، ويعيش نازحون داخليا في نيجيريا وضعا مأساويا منذ سنة 2018.
نحاول مساعدة هؤلاء عبر زيارات ميدانية لمراقبة ظروفهم المعيشية، وكتابة تقارير حول أوضاعهم، من أجل ابلاغ المجتمع الدولي وجلب اهتمام دولي حول أوضاع انسانية مأساوية يعيشها أغلب اللاجئين في مناطق متفرقة في افريقيا.
وتعود أسباب فرار شعوب بأكملها من مواطنها قرب الحدود، لظروف عيش غير آمنة بسبب نزاعات مسلحة، أو بسبب كوارث طبيعية (فيضانات، جفاف..)، ثم يستقرون على المدى الطويل في ظروف إنسانية مهينة للغاية، بحثًا عن حياة أفضل، سرعان ما تتحول هي الأخرى لجحيم دائم.
الصراعات الداخلية، والعنف المعمم، والمشاريع التنموية الكبرى ( مثل سد النهضة حيث هُجّر ألاف الإثيوبيون من أجل المشروع) وتغير المناخ هي دوافع أخرى للنزوح الداخلي.
تم تبني اتفاقية “كمبالا” بشأن مساعدة النازحين داخليًا عام 2009، التي دخلت حيز التنفيذ عام 2012، وصادقت 31 دولة على هذه الاتفاقية.
الجزائر لم توقع أو تصادق على الاتفاقية لأننا لا نعاني من ظاهرة التهجير أو النزوح الداخلي، ففي الجزائر، يتم تقديم العناية اللازمة والتكفل بضحايا أي كارثة طبيعية، فور حدوثها.
وعادة ما نشهد عودة طوعية للاجئين لأراضيهم فور زوال أسباب الهجرة، ففي بوروندي مثلا شهدنا عودة طوعية لمواطنين استقروا في رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ، بعد انتهاء الصراع في بورندي وعودة الحياة إلى طبيعتها.
انعدام الجنسية في أفريقيا مشكل
التنقل الدائم لشعوب بأكملها بحثا عن حياة أفضل، واستقرار أجيال في بلد غير البلد الأم يطرح مشكل الجنسية، كيف تعمل اللجنة على استرجاع حق معدومي الجنسية بافريفيا؟
تتطرق اللجنة الافريقية أيضا لمشكل الجنسية، وهي مشكلة متجذرة في القار السمراء، بسبب كثرة التنقل الجماعي والنزوح لبلدان مجاورة، بسبب نزاعات أو ظروف اقتصادية مزرية، أو بحثا عن عيش أمن وكريم.
فمثلا استقر في تنزانيا لاجئون بورونديون في منذ عام 1972، وأحفادهم ليسوا لا بورونديين ولا تنزانيين.
ونحاول العمل بالتنسيق مع الدول المعنية لإصدار وثائق الأحوال المدنية، والحصول على الجنسية.
أنا شخصياً أعمل على موضوع الجنسية منذ 9 سنوات، وقد اقترحت مشروع بروتوكول للميثاق الأفريقي بشأن الجنسية وهو موجود على مستوى الاتحاد الأفريقي، ومن المفروض أن يتم اعتماده قريبا. إنها اتفاقية جديدة للقضاء على حالات انعدام الجنسية والجوانب المحددة للجنسية.
هناك شعوب كاملة في أفريقيا بدون جنسية بسبب هجرة جماعية دائمة وضعف أنظمة الحالة المدنية لبعض البلدان.
نحن حاول بصفتنا جهاز شبه قضائي تغيير الأمور واحداث نهضة في العقليات من خلال شجب الأفعال التي تتعارض مع حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الجنسية وما يمكن أن ينتج عنها مثل حق في التعليم وغي تغطية صحية وحق في العمل، وفي السكن…
نعمل كثيرًا في هذا المجال مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وأجرينا في هذا السياق حملة حول مشكلة انعدام الجنسية بافريقيا تحت شعار “أنا موجود” تدوم من 2024/2014.
الحل الآخر هو إعادة توطين هؤلاء اللاجئين في بلد ثالث، رواندا على سبيل المثال تستقبل لاجئين من عدة مناطق في إفريقيا لأنها تعتبر دولة آمنة.
نعم لحركة البضائع ولا للتنقل الحر للأفراد..
في رأيك هل من حلول دائمة لمعالجة مشكل اللاجئين والمهاجرين في افريقيا؟
للعلم يحظى اللاجؤون بحق الحماية طبقا لاتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1951، واتفاقية الاتحاد الافريقي لسنة 1969. أما المهاجرون غير الشرعيون فتطبق عليهم جميع الاتفاقيات الخاصة بحقوق الانسان، للحفاظ على كرامتهم.
في تونس مثلا، يتم دمج المهاجرين بشكل جيد ويحظون بمعاملة انسانية بتطبيق جميع الاتفاقيات الدولية الكفيلة بحمايتهم، حيث يتمتع هؤلاء بالحق في الرعاية في جميع المجالات.
عندما يستقل مهاجرون غير شرعيون قوارب من تونس باتجاه إيطاليا، ويفقدون حياتهم في أعالي البحار وتدفعهم الأمواج لشواطئ تونسية يتم دفنهم في “مقبرة الغرباء” بجزيرة جرجيس، التي أنجزها صياد تونسي للحفاظ على كرامة الموتى.
وأنشأ الفنان الجزائري الجزائري رشيد قريشي مقبرة ثانية خاصة بالمهاجرين، اشترى ترابها من ماله الخاص في جزيرة جرجيس “حديقة إفريقيا”، مبادرة انسانية يقول الفنان أنها اتخذها حفاظا على حرمة هؤلاء الموتى.
وأتذكر أن الفنان الجزائري قال في إحدى مقابلاته، حول دوافه بناء المقبرة: “هؤلاء واجهوا الصحراء ورجال العصابات والإرهابيين وأحياناً التعذيب أو خطر الغرق. أردت أن أعطيهم انطلاقة جديدة في الجنة، بعد عبور الجحيم الذين عاشوه”. تعبير انساني، يعبر عن روح التضامن في أسمى معانيها.
من جهتها، تستقبل النيجر الكثير من المهاجرين، وقد اختارت أوروبا (خاصة فرنسا) النيجر كحدود خارجية لحماية منطقة شنغن، حيث أنشأت مكاتب تحديد الهوية لفرز المهاجرين القابلين للعبور نحو أوروبا.
فمثلا تملك الجزائر اتفاق مع النيجر لإعادة المهاجرين إلى الحدود ، لكنهم يعودون دائما.
يعاني المهاجرون في كثير من الدول من الاتجار بالبشر والتهريب، لذا وجب اعتماد خطط وطنية للإدارة الجيدة لتدفقات المهاجرين، لا بد من تغيير النظرة للهجرة على أنها آفة، بل يجب النظر إليها كإمكانية اقتصادية وتنموية هامة يمكن أن تجلبها الهجرة إلى البلد المستقبل.
فالمهاجر يبحث عن الأمان والعمل وتحسين وضعه الاجتماعي، لذا يمكن الاستثمار في العمالة المهاجرة، وخاصة في مجال الزراعة والبناء، لانعاش اقتصاد البلد المضيف.
وفي هذا الاطار، وضع الاتحاد الأفريقي إطارا قانونيا يتحدث عن الهجرة والتنمية.
تسمح منطقة التجارة الحرة الأفريقية بحرية تنقل المستثمرين والمنتوجات، ولكن يوجد أيضًا بروتوكول لحرية تنقل الأشخاص، وحق الإقامة، رفضت معظم الدول الافريقية المصادقة عليه، فالجميع يوافق على تداول البضائع، ولكن يرفض التنقل الحر للأفراد، خارج مجال الاستثمار. وفي رأيي لا يمكن لهذا المشروع النجاح لأن تداول البضائع لابد أن يرافقه تنقلا حرا للأشخاص لازدهار اقتصادي حقيقي.
وفي هذا الشأن، اعتمدت دول افريقيا الغربية ( cedeao) التنقل الحر للأفراد بين 16 دولة عضو، وتبحث دول شرق إفريقيا عن بروتوكولات لتسهيل تنقل الأفراد، ودول إفريقيا الوسطى أيضًا ، المنطقة الوحيدة أين يبقى المشكل مطروحا هي المغرب العربي الكبير.
ويدعو الميثاق العالمي الدول إلى اعتماد مرونة أكبر تجاه المهاجرين ، سواء شرعيين أو غير شرعيين.
الإعلان العالمي يتحدث عن حقوق الإنسان فقط، فهل يرتبط إدخال متغير الشعوب بخصوصية القارة الأفريقية؟
تكمن خصوصية الميثاق الأفريقي أنه يشير إلى حقوق الإنسان والشعوب، وهناك نظريتان لتفسير هذه الخصوصية.
الأولى تكمن في اشتراك دول افريقية في حركات إنهاء الاستعمار، فالعامل المشترك بين الدول الافريقية هو خضوعها جميعا للاستعمار، أو للوصاية، وطبقنا للقرار 15-14 لسنة 1960 بشأن حق الشعوب في تقرير مصيرها، استفادت هذه الدول من الاستقلال تدريجيا، عدا شعب الصحراء الغربية الباقي تحت الاستعمار لحد الساعة. ففكرة الشعوب مرتبطة بالمصير المشترك.
النظرية الثانية هي تنوع شعوب إفريقيا، حيث تتميز بتعدد العرقيات، واللجنة الافريقية لحقوق الانسان تهتم بحقوق الشعوب.
خصوصية أخرى تميز الميثاق الأفريقي عن غيره، فهو نص يتحدث عن الحقوق والواجبات، فالفرد له حقوق ولكن له أيضًا واجبات تجاه المجتمع، والدولة، والمؤسسات …
الميزة الثالثة لميثاق افريقيا لحقوق الانسان والشعوب هي كونه النص الوحيد الذي يجمع بين ثلاثة أجيال من حقوق الإنسان: الحقوق المدنية والسياسية ، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وحق التضامن (حق الشعوب في تقرير المصير، الحق في الأمن ، الحق في العيش في بيئة ملائمة .. .)
وهي حقوق جماعية.
ويستنبط الميثاق أغلب مبادئه من الاعلان العالمي لحقوق الانسان، مع ادماج بعض الحقوق المتعلقة بخصوصية الشعوب الافريقية.
الهجرة تحدي اليوم وغدا
تحدثت في إحدى مقابلاتك عن تحديات يواجهها قضاة ومحامون بصفتهم مسؤولين عن تقديم المساعدة والعون لطالبي لجوء أو لاجئين أو مهاجرين، واقترحت تقديم برنامج تكويني حول هذه القضية في مدارس القضاة. ما هو هذا التكوين؟ وماذا عن منظومة التكوين في مجال حقوق الانسان في الجزائر؟
فيما يخص الجزائر لابد من تعزيز التكوين في مجال حقوق الإنسان، وتعزيز مناهج تدمج بين النظام العالمي، العربي والإفريقي، فالجزائر لها عمقان مهمان، أحدهما عربي والآخر أفريقي. يقدم لطلبة كلية الحقوق الجزائرية درجة ماستير مادة في القانون الدولي لحقوق الإنسان ، وحتى في مدرسة القضاة توجد دورة عن حقوق الإنسان، لكن هذا يبقى غير كاف لصقل معارف طلبتنا في هذا المجال. ينبغي تكثيف التكوين، لاسيما فيما يتعلق بقضية اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين، لمساعدة القضاة في عملهم عندما يواجهون قضايا من هذا النوع.
يجب أن تخضع قوات الشرطة أيضًا لتكوين خاص للتمييز بين الفئات الثلاث عند تنفيذ مهامها، حيث يتم تسيير كل فئة من خلال اتفاقيات محددة. يتم حماية المهاجرين غير الشرعيين بدورهم، من خلال مجموعة من الاتفاقيات ، لكن الدولة تظل ذات سيادة في قرار “طرد” المهاجر، حتى وأنني أرفض استخدام هذا المصطلح وأفضل استخدام مصطلح مرافقة المهاجر للحدود، في ظروف إنسانية ، تحفظ كرامته.
في هذه الصدد، نظمت الشهر الماضي سلسلة من اللقاءات والمحاضرات لصالح القضاة العاملين، بالتعاون مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، في الجزائر العاصمة ووهران.
آليات لحماية حقوق الإنسان تقابلها ممارسات تضعف النظام الافريقي
ما هي تحديات اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب في مواجهة قضايا مهمة وتقديم حلول ملموسة للأشخاص المستضعفين؟
التحدي الأول هو تطبيق توصيات اللجنة التي لا تزال مرتبطة بإرادة الدول، إذ لا يفرض الاتحاد الافريقي عقوبات على دولة أثبت أنها ارتكبت انتهاكات لحقوق الانسان، ونرجو أن تتطرق الإصلاحات لمراجعة بعض نصوص الاتحاد الافريقي لضرورة فرض عقوبات على الدول المخالفة لميثاق افريقيا، والرافضة لتطبيق قرارات المحكمة الأفريقية.
توجد الآن لجنة فرعية معنية بحقوق الإنسان والمراقبة ، ستكون مسؤولة عن مراقبة تطبيق قرارات حقوق الإنسان، واستجواب الدول حول قضايا حقوقية.
باختصار ، تتمثل التحديات في تطبيق وتجسيد حقوق الإنسان وتوصيات اللجنة الافريقية بصرامة أكبر، بدعم والتزام أكثر فعالية من الدول.
يجب على الدول أن تظهر المزيد من الإرادة والتعاون مع اللجنة الافريقية من أجل ترقية حقوق الانسان.
في أفريقيا ، تم وضع العديد من الآليات لتعزيز حقوق الإنسان والشعوب والحفاظ عليها. لكن للأسف، عند تحرير نصوص الميثاق وضعت مواد أضعفت محتواه وأفرغته من روحه.
فمثلا لا يمكن لشخص ما أن يتقدم بشكوى مباشرة للمحكمة الافريقية، بل عليه المرور عبراللجنة الافريقية.
لا يمكن لشخص ما أو منظمة اللجوء إلى المحكمة الافريقية إلا في حالة اعلان البلد موافقته بلجوء مواطنيه إلى المحكمة مباشرة. لكن للأسف بمجرد صدور حكم من المحكمة ضد
دولة ما، تسحب إعلانها بقبول قيام مواطنيها أو منظماتها برفع دعوى مباشرة أمام المحكمة الأفريقية، في حالة انتهاك حقوق الإنسان.
يضع الأفارقة حدودًا للقوانين التي يسنونها ويغلقون النظام لحماية أنفسهم، بدلاً من تعزيزه لحماية المواطنين.
هذه التحديات تضعف نظام حقوق الإنسان الأفريقي، وغالبا ما نصطدم مع سيادة الدولة في عملنا.
نأمل أن تتغير الأمور مع إصلاحات الاتحاد الأفريقي، وهذا يتطلب ديناميكية حقيقية في أوساط المجتمع المدني، وهذا لن يتحقق إلا في مجتمعات متعلمة وواقعية تعرف حقوقها.
طالما أننا لم نعالج أسباب الهجرة والنزوح، فستظل موجودة، نحتاج في افريقيا إلى عمل حقيقي لترقية جميع الحقوق من حقوق المرأة، وحقوق الطفل، والحق في عدالة اجتماعية… لأن غياب الحكم الراشد، وغياب دولة القانون، واستمرار السياسات التمييزية تبقى أسبابا رئيسية للهجرة الجديدة.
المهاجرون عملة شائعة في الحملات الانتخابية لسياسيين غربيين. ما رأيك؟
تتخذ أجندات الحملات الانتخابية لأحزاب يمينية متطرفة في أوروبا، وخاصة فرنسا، من موضوع الهجرة شعارا لها، وتروج لفكرة أن الهجرة تشكل خطرا ثقافيا قد يؤدي إلى فقدان للهوية، إضافة إلى كونه عبء اقتصادي كبير على الدولة.
لكن أثبتت استطلاعات فرنسية مؤخرا، أن مسألة الهجرة تأتي في خامس اهتمامات المواطن الفرنسي وهذا يعني أن جماعات ضغط فرنسية هي من تريد الترويج لفكرة الخوف من الأجنبي، والتمييز العنصري، وهذا منذ صعود حركات يمينية متطرفة بدءا من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
نرى اليوم هوسًا بالمهاجر في خطابات بعض السياسيين الفرنسيين، وهم يطورون خطابا معاديا للأجنبي خاصة القادم من الضفة الجنوبية، حتى في وسائلهم الإعلامية.
وأنا أكرر دائما أنه لا بد أن يتذكر الفرنسيون أن الجيل الأول من المهاجرين من جزائريين وتونسيين وسنغاليين …هم من شيدوا فرنسا، بعد الحربين العالميتين، بفضل قوة عاملة مهمة وغير مكلفة.