ترك موت المطربة الجزائرية سلوى أثرا بليغا في المشهد الثقافي لاسيما الفني منه، وهي الأيقونة التي تربّعت على عرش الأغنية الملتزمة لأكثر من ثمانية عقود أدّت خلالها باقات فنية لا تزال إلى اليوم شاهدة على مرورها، تتغنى بها الأجيال، جيلا بعد جيلا.
حين نفقد عزيزا نشعر أنّ الحياة لا تعني شيئا دونه، وعندما نفتقد شخصية فنية في حجم السيدة سلوى فإنّ المصاب جلل، بالنسبة لمحبيها وعشاق أغانيها من أبناء الجيل الذهبي الذين كبروا على أدائها الأسطوري، حيث أعطت الفقيدة كل ما لديها للأغنية الوطنية وقاسمت الشعب أفراحه كما في «أولاد الحومة» وتحزن لأقراحه كما في «بان الفجر وغنى الليل”.
ظل الجمهور الواسع من عشاق سلوى يجهلون اسمها الحقيقي لميتي فطومة، فعاشت باسم الشهرة إلى آخر يوم من حياتها، وهي التي عاشرت رواد الأغنية الجزائرية من أمثال خليفي أحمد، نورة، حسناوي، سمير الجزائري، رابح درياسة، عبد الحميد عبابسة، أحمد وهبي، بلاوي الهواري، صالح السكيكدي، السيدة ثلجة، وغيرهم، وتعاملت خلال مسيرتها الفنية مع كبار الملحنين وكتاب الأغاني.
من منا لا يتذكر كلمات أغنية «كيف رأيي هملني» وكيف نفذت إلى إسماع الملايين من عشاق الفن ومازالت إلى اليوم تردد في المحافل والمناسبات رغم بعض التعديلات الموسيقية التي أدخلت عليها، إلا أنّ الطابع الموسيقي وتوزيع الجوق لا يزالان يحملان بصمتها دون أدني شك، فيما بقيت كلمات وألحان الثنائي حبيب حشلاف وعمراوي ميسوم تعززان تربعها على عرش الأغنية في عصرها وأنّ السبق الفني لسلوى مهما تجرأت وحاولت بعض الأصوات الفنية تجاوزه، فإنّها لن تستطيع إلى ذلك سبقا، وتعود الحناجر إلى منطلقها الأول طائعة غير مبدلة، وكأنّ القدر يقف ليؤكد أنّه «لا اجتهاد مع النص» ليس في القانون فحسب بل في الأداء أيضا.
انقطعت سلوى عن الحضور الفني لمدة فاقت العشريتين دون سابق وعد، لكنّ أغانيها ظلت تردّد على المسامع، وعادت إلى أسرتها الفنية من أبوابها الكبيرة مع الألفية الثانية، لكنّ القدر هذه المرة اختارها إلى الرفيق الأعلى، لتنظم إلى قوافل كبار الفنانين الذين رحلوا وتبقى أغانيها خير شاهد على أيقونة تربعت على عرش الطرب، فوداعا سلوى وداعا ولن يكون للإهمال بعدك لون التيه إنّما لون الحزن والفقد وداعا «ربي معاك .»