صوّت مجلس مدينة نيويورك، أمس الأول، بأغلبية ساحقة لصالح قانون يمنح الحق في التصويت بالانتخابات للمقيمين الأجانب، دون شرط المواطنة ولا الحصول على الجنسية الأمريكية، وهذه سابقة، غاية في الشّجاعة، تضاف إلى ما تراكم في الجهد الإنساني من تجاوز للحدود، وحفاظ على حق الإنسان في حياة كريمة..
ويبدو أن السابقة النيويوركية، لن تلبث أن تنتشر عبر الولايات الأمريكية، خاصة وأن القانون يعتبر دافعي الضرائب جميعا، من ذوي الحق في إبداء رأيهم بخصوص تسيير المدينة التي يعيشون بها.. طبعا، القانون استثنى أولئك الذين يكتفون بتصريح عمل بالولايات المتحدة الأمريكية، ولكنه يبقى فريدا في عالم يهيمن عليه التّمييز العنصريّ، والروح الكولونيالية، ويحتفظ بشتات كلّ الأفكار المهترئة التي تمتهن الإنسان، وتحتقر وجوده..
ولعلّ يكون ذلك هو عنصر القوّة في عالم الحلم الأمريكي، فاختلاف الأفكار، وتعدّد الرؤى هو نفسه ما يصنع روعة الحضارة المعاصرة، وهو نفسه ما يمنح الإنسان إحساسه الراسخ بتفرّده وقدرته على الإبداع، بل ويتيح له حقه في أن يصيب ويخطئ بمنتهى الحريّة، والقانون في الأخير هو من يلملم أيّ مشكلة اجتماعية أو ثقافية، بعيدا عن القراءة في النّوايا، والرجم بالغيب، وأحاديث المقاهي..
ليس صعبا أن تكون جميع البلدان أمريكا.. لا نتحدث عن الذّوبان فيها، أو الانصياع لمراميها، واللّهث وراء بريقها، وإنما نتحدّث عن عبقرية الإنسان وسموّه، ونتحدّث عن صرامة القانون وعلوّه، وهنا نقطتان غاية في الأهميّة يفتقد إليهما الإنسان في بقية العالم، رغم أنّهما تمثّلان معا، ركنا ركينا من أركان البناء الحضاري..
وليس يفوتنا مطلقا أن الأمريكان هم أنفسهم الذين يفرضون على بقية العالم البقاء في غياهب التّخلف، فهم يختارون للعالم أساليب الحياة التي يريدون، ويفرضون ما ينتفعون منه دون أيّ حساب للإنسان.. وهذا بالضبط، ما يعني الكيل بمكيالين..