الحراك المبارك فتح طريقا مباشرا نحو إصلاحات سياسية وهيكلية عميقة، وأبوابا في السياسة كانت مغلقة مثل محاسبة المسؤولين عن الفساد، وطرح وضعا انتخابيا غير مألوف لدى الجزائريين الذين تعودوا «الرئيس المترشح» طيلة عشرين سنة، ثم وجدوا أنفسهم أمام مترشحين متعددين ومختلفين.
فتح الحراك الشعبي في الجزائر ورشات تعديل وإصلاحات عميقة بمجرد ما بدأت السلطة تنفذ مطالبه الأولى، التي بسببها استحق اسمه الكبير «الحراك المبارك»، بدأت بتعديل قانون الانتخابات، وما تلته من إصلاحات في المنظومة القضائية والاقتصادية والاجتماعية.
وأنتج السباق الرئاسي في ديسمبر 2019، وضعا جديدا يظهر في منظومة تشريعية (القانونين 19-07/19-08)، أبعدت وزارة الداخلية ولواحقها (الولاة ورؤساء الدوائر) عن تنظيم الانتخابات، التي تكفلت بها السلطة الناشئة، السلطة الوطنية لتنظيم الانتخابات، على رأسها محمد شرفي.
ومع هذا التوجه الجديد في الإنتخابات، بالإصلاحات السياسية المرافقة له، توارت أحزاب كانت تنظم «عرض ترشح الرئيس»، وهي أحزاب أخرسها الحراك الشعبي، من أول يوم ظهر فيه وتركها مشدوهة لم تفهم ما الذي يدور حولها، وتنتظر «موقفا رسميا» حتى تتعاطى مع هذا الطارئ المفاجئ.
الطريق نحو الإصلاح السياسي والدستوري بدأ، في أشهر لاحقة من عمر الحراك غابت فيه «لجان مساندة الرئيس»، التي ستظهر في جلسات المحاكم للرد على اتهامات بالفساد، جرجرت متهمين إلى القضاء، الذي سيتابع العالم من خلال المحاكمات المبرمجة، سلسلة طويلة من المتهمين بالفساد، كان الحراك الشعبي سببا رئيسا وراء اتهامهم بما يحاكمون فيه وعنه وبسببه: استعمال النفوذ، مزية غير مستحقة، فساد بأشكال مختلفة.
هذه التهم كانت حاضرة في نشرات الأخبار، في أحاديث الصالونات والشارع على السواء، تتناولها وسائل إعلام محلية ودولية، ومن أجلها فتحت ملفات متابعة وتحقيقات أخرى في تداعيات قضية من القضايا، مثلما حصل في ملف استيراد السيارات، الذي جرّ إلى المحاكم وزيرين أولين سابقين، وعدد من الوزراء ورجال أعمال، وأسماء أخرى، من أبناء مسؤولين وولاة، وغيرهم.
وسيسجل التاريخ، أنّ الحراك الشعبي في الجزائر، ليس «ربيعا عربيا»، مثلما اعتقد البعض في أيامه الأولى، وليس استنساخا لتجربة تونس في 2011.
ويسجل أيضا أنّ الحراك الشعبي كان سببا جميلا وحضاريا في إزاحة رئيس من كرسي الحكم، باستقالة، دون «إراقة قطرة دم واحدة»، طوال الفترة التي كان فيها مئات الآلاف من الجزائريين ينزلون إلى الشوارع والساحات العمومية للمطالبة برحيل وجوه في النظام، وهم يقولون «لا للعهدة الخامسة».
وفي هذه الفترة جرى نقاش وطني حول غلق العهدات الرئاسية وجعلها عهدتين، لا ثالثة ولا رابعة، وهو نقاش أنتج التعديل الدستوري، وسهل المرور إلى سلطة انتخابات وطنية تشرف وتنظم العملية الانتخابية، التي نزعت من وزارة الداخلية والجماعات المحلية والإدارة..
وسهل بروز تعديلات دستورية مهمة بخصوص المحكمة العليا، الغائبة، لمحاكمة مسؤولين كبار، وبخصوص منظومة قضائية لطالما كانت بحاجة إلى إصلاحات هيكلية وعميقة، وبخصوص مجتمع مدني لم يرتق إلى ما هو مطلوب منه، لأسباب سياسية سجنته في «لجان مساندة»، أو لأسباب تنظيمية وقانونية، بات من الضروري أخذها بعين الاعتبار، مع تقنين هذا الجانب ودور المجتمع المدني في البلاد برمّتها.