قال الخبير الاقتصادي والمالي، عبد الرحمن عية، لـ”الشعب الاقتصادي” إن نجاح مشروع انتقال الدعم الحكومي للمواد الأساسية من النمط المعمم الى المستهدف يتم بمراجعة المسألة وفق منطق اقتصادي مالي وليس منطق اداري وظيفي.
يرى الخبير عيّة أن الشروع الفعلي في تجسيد هذا البرنامج لن يكون قبل 3 سنوات، وهي الفترة الأدنى -بنظره- لإعادة إحصاء الأسر المؤهلة، وقد يمتد تنفيذ المشروع إلى 5 سنوات.
وحسب عية، يجب دراسة الوضعية الاجتماعية للجزائريين وإعادة النظر في ملف الدعم من وجهة نظر مالية بحتة، وليس كما تم التعامل مع المشروع مسبقا، من طرف الجهات التي تداولت على رأس الجهاز التنفيذي في السنوات الماضية، حينما كانت الحكومات ترجّح كفة شراء السلم الاجتماعي، على حساب الحفاظ على امتلاء الخزينة العمومية وتآكل المدخرات جراء ذهاب جزء كبير منها لغير مستحقيها.
ويشدد الخبير عية على أنه سبق وأن كشف الوزير الأول وزير المالية أيمن بن عبد الرحمن، في رد على أسئلة نواب المجلس الشعبي الوطني عند مناقشة قانون المالية لسنة 2022، أن 10 آلاف مليار سنتيم من أموال الدعم كان يستفيد منها الأغنياء والميسورين وليس الفقراء والمستحقين.
من يحق لهم الحصول على مساعدات الدولة
وحسب عية، قبل فرض انتقائية الدعم، من الضروري معرفة من يحق لهم الحصول على مساعدات الدولة، انطلاقا من قدراتهم المالية، ولا يتعلق الأمر هنا فقط بالأجر وإنما الدخل الإجمالي للأفراد، بحيث يجب إعادة تنظيم سوق العمل، وعدم تجريم الأنشطة الإضافية أو “الشغل المزدوج”،
ويلح المتحدث على أهمية عدم منع المواطن من الاشتغال في عملين منفصلين في نفس الوقت، فالأهم -حسبه- هو التزام هذا الشخص بدفع الضرائب والاشتراك مرتين في الصناديق الاجتماعية المختلفة، بحكم أن ذلك ليس مخالفا للقانون.
بل بالعكس، سيكشف هذا الاجراء ـ وفقا للخبير ـ تجاوزات مرتكبة من طرف الأفراد، مشددا بالقول: “بعض المواطنين يصل دخلهم 10 مليون سنتيم، ولكنهم لا يزالون مصنفون ضمن خانة الفقراء بسبب الراتب الذي يقل عن 40 ألف دينار، دون احتساب مصادر الدخل الأخرى”.
قاعدة بيانات عن الدخل
واعتبر الخبير الاقتصادي أن الحل يكمن في استحداث قاعدة بيانات يسجل فيها المواطنون، كل حسب راتبه ودخله أيضا، مشيرا إلى أن أفضل قاعدة بيانات مستعملة حاليا من طرف المؤسسات والهيئات الرسمية في الجزائر هي تلك المعتمدة من طرف وزارة العمل والشغل والضمان الاجتماعي، وتحديدا تلك التي تعتمد عليها صناديق الضمان الاجتماعي، مضيفا: “هذه القائمة يجب توسيعها وادراج فئة الناشطين في السوق السوداء ضمنها، مع العمل على جذبهم للتصريح الرسمي، عبر منحهم امتيازات مثل بطاقة الشفاء وإمكانية الاشتراك في التقاعد، ومزايا أخرى”.
وبناء على ذلك سيكون هناك ادراج تدريجي للفئات العمالية الناشطة في السوق السوداء في هذه القاعدة.
يقول عية إن أكبر عائق قد تصطدم به السلطات عند فرض انتقائية الدعم، هو وجود أشخاص أغنياء وفي بعض الأحيان أثرياء، يمتلكون مخازن كبرى ويبيعون السلع المستوردة ولكنهم غير مسجلين لدى الدولة ومصالحها، بمعنى أنهم من الناحية الاقتصادية والمالية مصنفون أغنياء ولكن إداريا ولدى مصالح الدولة الجزائرية يتم بالتعامل معهم كفقراء، بل هم يعتبرون بطالين في الوثائق، وأكثر من ذلك يستفيدون من قفة رمضان ويصنفون ضمن قائمة المعوزين، الذين يظلون بحاجة إلى دعم ومساعدة الدولة.
ولتفادي كافة هذه التجاوزات، يقول عبد الرحمن عية، يجب قراءة المعطيات الموجودة على طاولة وزارة المالية قراءة مالية حقيقية، واستحداث قاعدة بيانات تتضمن كافة التفاصيل عن هؤلاء.
ويرجح نجاح خطة انتقائية الدعم وتطبيقها بعد توفر كافة المعطيات اللازمة، إلا أن الأمر -حسبه- قد يحتاج برامج تمتد الى خمس سنوت، أي الشروع في تطبيقها بداية من سنة 2027.
وأردف قائلا: “إذا تم الاشتغال على الموضوع جديا، يمكن حل إشكالية إحصاء الفقراء والأغنياء، وأن تكون هنالك نتائج صالحة للاستغلال خلال 3 سنوات، أي بداية من سنة 2025، خاصة وأن الوزير الحالي ـ حسبه ـ يتميز بنظرة مالية بحتة يطغى عليها الجانب الإداري”.