كانت تونس، التي احتفلت أمس بالذكرى 11 لثورتها، الدولة الأولى التي أطلقت مسار التغيير في الوطن العربي قبل عشر سنوات، ورغم العراقيل التي اعترضت هذا المسار، فقد استطاعت أن تصل بقطار التغيير إلى محطّته النهائية منتصرة، حيث تخلّصت من دكتاتورية الحاكم،
ونظّمت انتخابات دورية على الصعيد الرئاسي والتشريعي اعترف بها العالم أجمع، وصاحب ذلك مناخ سادت فيه الحقوق والحريات وازدهرت معه أنشطة المجتمع المدني في شتى المجالات، لتتحوّل هذه الدولة الشقيقة إلى واحة للديمقراطية والاستقرار، بينما سقطت الدول التي سارت على خطاها في براثن العنف والحروب وغرقت في دماء أبنائها.
لقد قدّمت تونس نموذجا ناجحا للانتقال السياسي، وباتت تجربتها درسا يلقّن للشعوب التوّاقة إلى الحريّة والتطوّر،ورغم العراقيل التي كانت تظهر بين الحين والآخر، فقد كان الشعب وقادته يتجاوزونها بالحوار وتقديم المصلحة الوطنية العليا على المصالح الخاصة الضيّقة، إلى أن حصل الانسداد الكبير الذي رهن الحياة السياسية وأدخل البلاد في أزمة خطيرة كادت أن تنسف بكلّ ما تحقّق خلال عقد كامل، خاصة مع اشتداد وزر المصاعب الاقتصادية والصحية، وانعكاس ذلك على الوضع الاجتماعي، فكان لا بدّ من تحرّك عاجل وعلاج بالصّدمة، قدّمه الرئيس قيس سعيّد الذي وصل إلى الحكم في أواخر 2019 من منطلق مسؤوليته كقائد للبلاد، حيث أعلن في 25 جويلية الماضي عن إجراءات استثنائية بموجب الفصل 80 من الدستور تشمل تعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب ورفع الحصانة البرلمانية عن كل أعضائه، وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي وعدد من الوزراء.
إجراءات سعيّد جاءت كحتمية لتصحيح مسار العملية الانتقالية ودفعها الى الأمام، كما جاءت لتسدّ الفجوات وتقضي على الإختلالات التي طغت على الحياة السياسية، وقد أتبعها بخارطة طريق تقضي بالدعوة إلى استفتاء دستوري في جويلية المقبل، تليه انتخابات تشريعية في نهاية عام 2022 لدعم أسس الدولة وسيادة قرارها،
وتهيئة أرضية قانونية وأخلاقية لجيل سياسي جديد يحقّق رغبة الشعب وتطلعاته، ويحرّر البلاد من الذين ركبوا الثورة وتسللوا إلى مؤسسات الحكم والدولة لتحقيق أهدافهم الخاصة.
تونس تقف اليوم في مفترق الطرق، وعلى أبنائها الذين نجحوا في صنع واحدة من أهم ثورات التغيير، أن يتمسّكوا بالنهج السلمي لتجاوز كل العقبات وقهر كلّ التحديات.
موقع الشعب يستخدم نظام الكوكيز. استمرارك في استخدام هذا الموقع ، فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط. تفضل بزيارة سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط . موافق