عرفت مسألة الذاكرة إهتماما وعناية خاصة وكبيرة من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.
تعهد الرئيس تبون بمعالجة ملفات الذاكرة، خاصة ملفات التفجيرات النووية في صحراء الجزائر، ومفقودي ثورة التحرير، والأرشيف واسترجاع جماجم قادة المقاومة الشعبية من متحف الإنسان بباريس.
كانت سنة 2020 سنة الذاكرة بتجسيد أول وعد للرئيس وهو إسترجاع رفاة جماجم شهداء المقاومة الشعبية في الذكرى الـ58 لإستعادة السيادة الوطنية، وهي مبادرة لاقت فرحة لدى الجزائريين.
ثاني قرار اتخذ في باب الذاكرة هو إقرار يوم 8 ماي من كل عام يوما للذاكرة الوطنية، تلاه إنشاء قناة تلفزيونية تعنى بالذاكرة الوطنية التي تزامن إطلاقها مع الذكرى الـ58 لبسط السيادة على الإذاعة والتلفزيون.
شكلت هذه القناة فضاء للمؤرخين والباحثين ومجاهدين لتقديم حقائق تاريخية وفق منظور إعلامي موضوعي بعيدا عن أطروحات الإستعمار، وهي قناة تخاطب الجمهور الجزائري بلغته لتحصين شخصيته الوطنية والحفاظ على قيم نوفمبر التي ورثها من أجداده.
في هذا الصدد، يوضح المؤرخ رابح لونيسي في حديث لـ”الشعب” و”الشعب أونلاين”، أن هناك إنجازات كبيرة جدا تندرج في اطار الـ54 نقطة التي وضعها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في برنامجه الانتخابي، يحققها شيئا فشيئا منها الأرشيف والجماجم، وتعهده بالعمل على حل ملف الذاكرة مع الإستعمار الفرنسي، وتجريم الاستعمار كهدف استيراتيجي.
يقول لونيسي: “منذ مجيئ رئيس الجمهورية الى الرئاسة لاحظنا إهتماما كبيرا بالذاكرة مع الاستعمار. أراد الرئيس استغلال رغبة أبداها الرئيس الفرنسي ماكرون في تجريم الإستعمار الى أقصى الحدود بخطوات مدروسة. وقد سارت الأمور على أحسن ما يرام”.
ويضيف أن الرئيس تبون أخذ بعين الإعتبار ما قاله ماكرون، عن ضغوط تلقاها من اللوبيات وغيرها، وكانت الخطوات مدروسة بدءا من إسترجاع جماجم الشهداء وأشياء أخرى، لكن ماكرون يقول -محدثنا- تغير موقفه فيما بعد . وبحسبه، لذلك علاقة بالاقتصاد لأن ماكرون وجد سدا منيعا في الجزائر مع الرئيس تبون الذي دخل في مشروع اقتصادي اخر وهو اقتصاد منتج سيغلق السوق على المصالح الفرنسية.
لونيسي : مقايضة الذاكرة بالإقتصاد أخطر لعبة تقوم بها فرنسا اليوم
يشير لونيسي الى لعبة خطيرة تقوم بها فرنسا اليوم، وهي مقايضة الذاكرة بالإقتصاد أي أعطيك الذاكرة مقابل أن تتنازل لي عن مصالح اقتصادية، يقول: “أعتقد أن رئيس الجمهورية يعي جيدا هذه العملية، وهذا هو سبب الخلاف. نحن نريد الاثنين معا، اقتصاد منتج وذاكرة، لأن الاستعمار لديه جرائمه الاقتصادية. وهذا موضوع اخر يطول الحديث فيه”.
ويبرز المؤرخ أن اختيار تاريخ 8 ماي 1945 يوما للذاكرة كان مدروسا بشكل رائع، لأن هذا التاريخ يدل على أن الإستعمار الفرنسي لا يختلف عن النازية، أي أنه في اليوم الذي كان يحتفل فيه العالم بانتصاره على النازية وجرائمها الاستعمار الفرنسي يرتكب جرائم لا تختلف تماما عن جرائم النازية، معناها أن كل يوم 8 ماي هو عملية تجريم فالإستعمار الفرنسي والنازية وجهين لعملة واحدة، وهو العنصرية واحتقار الشعوب وارتكاب جرائم وغيرها.
ويقول أيضا أن اختيار 17 أكتوبر يوما يقف فيه الجزائريين دقيقة صمت ويترحمون على الشهداء الذين سقطوا في نهر السين يُذكر بالدور الكبير، الذي قام به الجزائريون في المهجر، وتذكير فرنسا التي تدعي حقوق الانسان أنها قتلت أناس سلميين متظاهرين في باريس وبالتالي تذكير بجرائمها.
تعريف أجيال بتضحيات الشهداء
ويؤكد أن ما يهم أكثر هو أن رئيس الجمهورية ادرك إدراكا كبيرا أن الجيل الذي لا يعرف التضحيات يضيع الدولة مثلما يقول ابن خلدون، اي “في تاريخ أي دولة ويقصد البلاد المغاربية يأتي جيل لا يعرف التضحيات يضيع الدولة، لأنه لا يعرف التضحيات التي قدمت من أجل إقامة تلك الدولة”.
ويبرز محدثنا أننا اليوم في الجيل الثالث أو الرابع، حيث ينبغي أن يعرف هؤلاء الشباب الثمن الباهض الذي ضحى به الجزائريون.
وجاء تبون ليرسخ مفهوما آخر لعدد الشهداء، لأننا نحن دائما معروفين بثورة المليون ونصف المليون من الشهداء. يقول الرئيس: “الكثير من المؤرخين والباحثين كانوا يقولون بأن الفترة الإستعمارية، وأنا واحد منهم، قلتها مرات في وسائل الإعلام، أن الجزائر دفعت حوالي 7 ملايين شهيد طيلة 132 سنة، و جاء تبون الذي لديه الرقم الصحيح وهو 5 ملايين و630 ألف شهيد أعطتهم الجزائر من أجل إقامة دولتهم الوطنية”.
الجزائري يعرف عمقه التاريخي
ويشيد المؤرخ بإطلاق قناة الذاكرة التي تتحدث عن تاريخ الجزائر بكل مراحله على امتداد 3 الاف سنة.
وبحسبه، الجزائري اليوم متصالح مع ذاته ويعرف عمقه التاريخي. وذكر المؤرخ بما قاله الوزير الأول مؤخرا ردا على ماكرون من أن الجزائر ستهتم بالتاريخ في المدرسة والجزائريين سيعرفون طارق بن زياد وماسينيسا ويوغرطا والأمير عبد القادر وغيرهم.
ويؤكد لونيسي أن الوطنية والتاريخ والذاكرة عنصر أساسي في الوطنية الإيجابية، ومن الطبيعي أن يتم الاهتمام بموضوع الذاكرة، لأن إيديولوجية الدولة اليوم هي الوطنية.
عباد: نأمل في خطوة ثانية لإسترجاع الممتلكات التاريخية والثقافية المنهوبة
يشيد رئيس جمعية مشعل الشهيد محمد عباد، في تصريح لـ”الشعب” و”الشعب أونلابن”، بما أسماها دبلوماسية الذاكرة، التي انتهجها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في كل ما يتعلق بحق الجزائر التاريخي من ماديات وأرشيف الثورة التحريرية.
يقول عباد: “صراحة وبدون مجاملة رئيس الجمهورية جاء بإرادة سياسية للدفاع عن الذاكرة، تبون لما عيّن مستشارا خاصا بالأرشيف والذاكرة، وأطلق قناة الذاكرة، بعث رسالة واضحة إلى الجهات المعنية فيما يخص حماية الذاكرة، أعتقد أنها من المنجزات الهامة جدا لرئيس الجمهورية”.
ويضيف: “إذا كان الرئيس حقق استرجاع جماجم الشهداء في الذكرى الـ58 لإستعادة السيادة الوطنية فإن لنا عمل كبير في استرجاع ممتلكات الشعب الجزائري في الذكرى الـ60 للإستقلال”.
ويأمل رئيس جمعية مشعل الشهيد أن تكون هناك خطوة ثانية من رئيس الجمهورية لإسترجاع الممتلكات التاريخية والثقافية المنهوبة من طرف فرنسا في الإحتفال بالذكرى الـ60 لإستعادة السيادة الوطنية، ويعرب عن أمله أيضا في أن يكون المرصد الوطني للمجتمع المدني الذي أنشأه رئيس الجمهورية في مستوى طموحات الشعب الجزائري.