يفصل المختصّ الدستوري، عامر رخيلة، في حوار مقتضب لـ”الشعب”، في مسألة الاتهامات التي تكيلها هذه الأيام تشكيلات سياسية لقانوني الانتخابات والبلدية، وتحميلهما مسؤولية التوجه نحو الانسداد في بعض المجالس المحلية البلدية والولائية المنتخبة في 27 نوفمبر 2021.
وقال رخيلة إن: “المشكل ليس في القانون، بل في التراكيب المتواجدة على مستوى القوائم المترشّحة والذّهنيات المتوارثة في تسيير هذه المجالس، يضاف إليها الانقسامات والخلافات الحاصلة بين أعضاء القائمة الواحدة”.
“الشعب”: وجهت أحزاب سياسية اتهامات، طالت قانوني البلدية والانتخابات فيما يخص تأخر تنصيب المجالس المحلية المنتخبة، وذلك بوجود ثغرات وغموض في النّصين ستؤدي إلى الإنسدادات؟
عامر رخيلة: لقد عرف النص القانوني للبلدية قراءة خاطئة من الأغلبية، حيث أن تنصيب رئيس المجلس الشعبي البلدي يمرّ على ثلاث مراحل، إذا تحصّلت قائمة على أغلبية المقاعد، وليس الأصوات، تقدم مرشح لها للرئاسة. وإذا لم تحصل أي قائمة على أغلبية المقاعد وهناك قائمتان تحصلتا على 35٪ فما فوق من الأصوات، في هذه الحالة يقتصر تقديم المترشح لرئاسة البلدية على القائمتين المتحصلتين على أكثر من 35٪. وإذا لم تكن هناك أي قائمة حصلت على أغلبية المقاعد، ولا على أغلبية 35٪، يُفتح المجال أمام كل القوائم للتنافس على منصب رئيس البلدية.
الإشكال الذي وقع هذه الأيام، موازاة مع تنصيب المجالس المحلية المنتخبة البلدية والولائية، هو أن هناك قائمة أو قوائم تحصلوا على أكثر من 35٪، ما فتح المجال للترشح، حيث لم يكن رئيس البلدية المنتخب من قبل أعضاء المجلس من القائمة التي تحصلت على 35٪.
ضف إلى ذلك مشكلة أخرى، وهي أنّ القائمة، مثلا، قد حصلت على أغلبية المقاعد، لكن لما جاء يوم الانتخاب، لم تحصل على الأغلبية لأن المرحلة الثانية حصلت فيها انقسامات وخيانة من قبل من كانوا معه في القائمة التي تحصلت على أكثر المقاعد. لذلك، فإن كثيرا من الناجحين في المحليات اعتبروا أنهم أصبحوا “أميارا” بمجرد إعلان النتائج من قبل مندوبية السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، لكن بعد تطبيق القانون وإعلان الترشيحات لم يمرّ. والسؤال المطروح، إذا خانك من معك، فالمشرّع لا يتحمل المسؤولية، لذلك فقد تكرّست سلوكيات غياب منطق الأحزاب بالترشح في قائمة واحدة وبعدها يحدث الانشقاق.
إذن، المشكل ليس في القانون؟
نعم المشكل ليس في القانون. هي مشكلة التراكيب المتواجدة على مستوى القوائم المترشحة، حيث تحدث الخيانة في اليوم الموعود يوم انتخاب الرئيس داخل المجلس وتخلّي الشركاء عنه. فالعيب ليس في النص القانوني، النص لم يفرض أن يكون رئيس البلدية من أي جهة، وإن كان المشرّع قادر على أن يضع رئيس البلدية من القائمة التي نالت أغلبية المقاعد، فالمشكل في التحالفات المتواجدة على مستوى البلديات.
يفهم أن القانون لا يسبب الانسداد؟
بالعكس، القانون لم يفصل ولم يضع بنودا تجعل القائمة التي تحصلت على الأغلبية المطلقة من بين القوائم المترشحة لمنصب رئيس البلدية يؤول إليها. القانون لم يقل هذا، ترك حق الترشح متساوياً مع باقي القوائم.
تأكدوا من أمر، هو أنّ الإنسدادات تكون في البداية كضغط ومن ثم يتم شراء الضمائر. وكثيرون من يمارسون الضغط (ابتزازا) من أجل الحصول على امتيازات مالية. ففي أحدى البلديات، أقسم مترشحون على المصحف على الوفاء لمن معهم في القائمة وعلى أنه سيظل أغلبية موحدة، لكن قبل الانتخابات الماضية بيومين غيّروا رأيهم. وبالتالي، فإن الإنسدادات ترجع لسلوكات أفراد وليس للقانون في حد ذاته.
وبالمناسبة، فإن الممارسات التي كُرِّست خلال العقود السابقة، أصبحت مثل قواعد يعمل بها في هذه المجالس، بل هي الممارسات الناتجة عن تراكمات ومساومات، والذهنيات التي سادت في تعيين رؤساء البلدية ونوابهم من قبل، لأنها ببساطة مسألة “كوطات” و”إكراميات”.
من المنتظر أن يتم تعديل قانون البلدية والولاية خلال الأشهر المقبلة، ما هي أهم البنود التي ترونها تحتاج للتشريح فيما يخص الانتخابات المحلية طبعا؟
هناك مواد كثيرة، مثلا في انتخابات المجالس المحلية البلدية والولائية، لا يذكر صراحة أن رئيس البلدية سيكون من القائمة المتحصّلة على أغلبية المقاعد، وهذا منطقي، ومن ثم تأتي قضية توزيع المقاعد على نواب الرئيس، وانتخابهم وتعيينهم. أما منصب رئيس البلدية فقد أصبح، بحكم التعديلات التي أجريت عليه مؤخرا، موظفا في الدولة ينتخب لعهدة كاملة ولا يحق لأعضاء المجلس الشعبي البلدي أن يدخلوا البلدية في حالة انسداد، لأنه موظف دولة منتخب، لكنه معين لعهدة كاملة، وهذا هو ما يحرج البعض من الأحزاب والقوائم، لأنهم يدركون أن رئيس البلدية سيمكث خمس سنوات في مكتبه، وهم بذلك لا يستطيعون المناورة.