تتمسك الجزائر بسياسة الدعم الاجتماعي وتحرص على عدم التخلي عن تركة «الدولة الاجتماعية»، المتوارثة منذ بيان أول نوفمبر 1945 التاريخي.
يعكس ذلك المخصصات المالية المدرجة في الميزانية العامة الموجهة للرفع من المستوى المعيشي للمواطنين سنويا، وخصصت في ميزانية 2022 مبلغ 17 مليار دولار، بالرغم من الأزمة المركبة: الصحية والنفطية، التي عرفتها الجزائر جراء تفشي فيروس كورونا منذ بداية سنة 2020، وتبعاتها المتعلقة بهبوط حاد لسعر برميل النفط وتأثيره المباشر على اقتصاد البلاد، المبني على الريع البترولي، وهو الذي لم يتعاف بعد من «الصدمة النفطية»، وتداعياتها منذ سنة 2014.
رصد 17 مليار دولار في ميزانية 2022 بالرغم من الأزمة
أثار قرار إعادة النظر في الدعم الاجتماعي بمجرد طرحه في مشروع قانون المالية 2022، جدلا واسعا، وصل إلى التشكيك في نية السلطات، التخلي عن الدعم المعتمد منذ سنوات الاستقلال إلى غاية اليوم، وحاولت بعض الأطراف اللعب على هذا الأمر لمحاولة زعزعة استقرار الجبهة الاجتماعية، لأن الدعم ساعد فعلا في تخفيف العبء عن محدودي ومتوسطي الدخل، ولكن لم يكن الهدف من القرار مثلما روّج له أصحاب النظرة السوداوية، فالأمر يتعلق بحسب تصريحات مسؤولين بالدولة، بإعادة تصويب الدعم وتوجيهه إلى مستحقيه، لأن ما يتم العمل به، منذ سنوات، لا يخضع لمعايير العدالة الاجتماعية والكفاءة الاقتصادية، بحيث يستفيد منه الأغنياء والفقراء على حد سواء ودون تمييز.
واحتدم النقاش في أروقة البرلمان على مستوى الغرفة السفلى، خلال عرض قانون المالية لسنة 2022 لما كان مشروعا، بسبب المادة 187 التي تتحدث عن رفع الدعم، عن الأثرياء في البلاد، وتوجيهه نحو مستحقيه، نقدا مستقبلا، وهو المكسب الذي تتميز به البلاد، منذ استقلالها، و»المحرم» إلى يوم الدين، بحسب تصريحات الوزير الأول، وزير المالية، أيمن بن عبد الرحمان، حيث لا ولن تتخلى الدولة، مثلما قال «عن أبنائها»، بينما يستفيد منه على صيغته الحالية الأغنياء والجيران والأشقاء عن طريق التهريب، ضف إلى استفادة الأجانب و البعثات الدبلوماسية منه.
جهاز وطني للتعويضات النقدية
وبعث رئيس الجمهورية برسائل مطمئنة في أكثر من مناسبة، بعدم تخلي الدولة عن «الدعم الاجتماعي»، قائلا في تصريحات متفرقة، «إن هذا الدعم لن يتوقف مهما طال الزمن، وسيستمر التكفل الاجتماعي في الجزائر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، حيث ينطلق ذلك من الوفاء لشهدائنا الأبرار ولبيان أول نوفمبر 1954، القاضي ببناء دولة اجتماعية ديمقراطية».
واستبق الوزير الأوّل، وزير المالية، أيمن بن عبد الرحمان، معارضي الدعم على صيغته الحالية بالتأكيد أن الدولة لن تتخلّى عن التزاماتها الاجتماعية، ولكنها تريد فقط ترشيد الدعم وجعله أكثر فاعلية، ولهذا الغرض، تضمّن قانون المالية إنشاء جهاز وطني للتعويضات النقدية لمصلحة الأسر المؤهّلة، يتمّ من خلاله توجيه تحويلات نقدية مباشرة إلى المحتاجين بدل النظام الحالي الذي يعتمد دعم السلع الأساسية من المنشأ، ما يجعلها متاحة لكلّ المواطنين على اختلاف مستوياتهم المعيشية بالأسعار نفسها.
المواد المدعمة وأرقامها الحقيقية
تُوفّر الدولة دعماً كبيرا للمواد الواسعة الاستهلاك، والتي لا تتخلى عنها المائدة الجزائرية، مثل الخبز، حيث أن السعر الحقيقي للخبزة الواحدة يتراوح، ما بين 40 و70 دينارا (0.55 -0.96 دولارا) بحسب نوع الخبز، لكن الجزائري لا يزال سعرها 10 دينار أي 0.103 دولار أو 15 دينار، وهو من المواد التي لا يمكن للدولة أن تتنازل عن دعمها، بينما لا يتعدى كيس الحليب 25 إلى 30 دينار، بحسب النوعية، وفي الأصل فإن سعر الحليب مدعم بقرابة 15 دينارا، حيث حُدد سعر الكيس بسعة لترٍ واحد بـ25 دينارا، منها 24 دينارا لخزينة ديوان إنتاج الحليب، ودينار واحد لموزع الحليب، في حين يبلغ سعر الحليب غير المدعم بين 50 دينارا و100 دينار، بحسب النوعية.
وحافظت التعديلات الجديدة، على الأسعار القصوى السابقة لعبوات 2 لتر و1 لتر من زيت المائدة ( 250 و 125 دينار )، والسعر الأقصى للسكر الأبيض ( 90 دينار بالنسبة للكيلوغرام غير الموضّب، و95 بالنسبة للكيلوغرام الموضّب.
ووفقا للتنظيم الحالي، يستفيد المتعاملون من تعويض من ميزانية الدولة بغرض التكفل بارتفاع أسعار المواد الأولية للسكر الأبيض والزيت الغذائي المكرر العادي على شكل زيت الصوجا الخام، لضمان بقاء الأسعار القصوى عند الاستهلاك كما هي محددة في المرسوم.
ومكّن المرسوم الجديد الصادر في أكتوبر 2021، من توسعة نطاق الاستفادة من هذا التعويض لتشمل أيضا الزيت المتحصل عليها متحصلا عليها من بذور منتجة محليا.
كما يجري توجيه دعم غير مباشر يؤثّر على أسعار الخُضر والفواكه، من خلال الإعانات المُقدمة للفلاحين والتسهيلات الضريبية الممنوحة لهم، وحددت الحكومة أكتوبر الماضي شروط الاستفادة من الدعم الفلاحي، وذلك في إطار البرنامج الوطني لتنمية الأشجار المثمرة المقاومة، وكذا الطرق التقنية والإدارية والمالية ودفع الإعانات.
فيما تحرص الدولة على تسقيف سعر الكهرباء وغاز والمياه، حيث أن التعريفة المتوسطة لسعر الكهرباء المطبقة حاليا على الزبائن محددة بـ 01 ، 4 دينار للكيلواط، وهو سعر أقل من سعر التكلفة الحقيقية للكهرباء والذي يبلغ 4، 5 دينار للكيلواط.
ملايير لدعم قطاعات «مجانية»
أمّا بقيّة الدعم فيتمثّل في الإعانات المُقدَّمة لبرامج السكن الاجتماعي، وللصحّة والتعليم، وهما من القطاعات التي لا تزال «مجانية» في الجزائر، وقد تمّ تقدير حجم ميزانية التسيير للعام 2022 بما يزيد عن 6311 مليار دينار جزائري، تعود الحصة الأكبر منها إلى 6 قطاعات أهمها المجانية، سالفة الذكر.
وفي مجال السكن، تواصل الدولة التكفل ببرنامج الدعم الاجتماعي بالنسبة للطبقات الاجتماعية الهشة والمتوسطة، مع الاستمرار في تمويل وانجاز البرامج السكنية بمختلف صيغها، لاسيما السكن الموجه للبيع عن طريق الإيجار وذلك لتلبية كافة طلبات المكتتبين وكذا السكن الريفي، فيما يتعلق بميزانية التجهيز حيث استفاد قطاع السكن من غلاف مالي يقدر بـ 91.454 مليار دينار.
أما قطاع الموارد المائية، فقد استفاد ضمن قانون المالية 2022 من أزيد من 56، 80 مليار دينار، وقطاع التربية الوطنية من 825.2 مليار دينار، بينما الصحة من 439 مليار دينار، والتعليم العالي والبحث العلمي من 400 مليار دينار.
800 ألف بطّال معنيُون بالمنحة
علاوة على ذلك، أقرّ الرئيس، قيمة منحة البطالة ومدة الاستفادة منها لصالح الشباب البطال، فضلا عن قرار مراجعة الضريبة على الدخل الذي من شأنه تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، حيث أن منحة البطالة التي تم استحداثها بموجب قانون المالية 2022 تقارب الأجر الوطني الأدنى المضمون ويستفيد منها البطال إلى غاية حصوله على منصب شغل.
وفي 15 نوفمبر 2021، قال المدير عام للوكالة الوطنية للتشغيل عبد القادر جابر، إن منحة البطالة ستمس حاليا حوالي 800 ألف بطال، موضحا أن قيمة المنحة ستتراوح بين 8000 دينار و15 ألف دينار جزائري، عن طريق استحداث جهاز جديد لمتابعة الفئات التي ليس لها تكوين ويصعب إدراجها في سوق العمل.
كما يتضمن قانون المالية لسنة 2022 مخطط إصلاح شامل لنظام الضريبة على الدخل الإجمالي، من أجل التخفيف من الضغط الجبائي على عائدات الأسر، من خلال إجراء تعديلات على فئات الدخل ومعدلات الضرائب المقابلة لها.
ويقترح السُلّم الجديد للضريبة على الدخل الإجمالي استبعاد الدخل السنوي الذي لا يتجاوز 240 ألف دينار من الضريبة، بينما يخضع الدخل من 240001 إلى 480000 دينار إلى الضريبة بنسبة 23 بالمائة. ومن 480001 إلى 960000 دينار بنسبة 27 بالمائة. ومن 960001 إلى 1920000 دينار بنسبة 30 بالمائة، ومن 1.920001 إلى 3840000 دينار بنسبة 33 بالمائة. ويخضع الدخل ما فوق 384 ألف دينار للضريبة بنسبة 35 بالمائة.
كما أقر الرئيس بداية السنة الحالية، إعفاء كلي من الضريبة على الدخل الذي لا يتجاوز 30 ألف دينار يستفيد، بينما تستفيد المداخيل التي تفوق مبلغ 30 ألف دينار وتقل عن 35 ألف دينار من تخفيض ثاني إضافي على الضريبة.
أما المداخيل التي تزيد عن 30 ألف دينار وتقل عن 42500 دينار للعمال ذوي الإعاقة الحركية أو العقلية، أو المكفوفين أو الصم والبكم والعمال المتقاعدين الخاضعين للنظام العام، فستستفيد هذه الفئة من تخفيض إضافي.