أخذت مسألة الذاكرة حصة الأسد في 2021، أولتها الدولة عناية كبيرة. في كل مناسبة يوجه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون رسالة قوية تتعلق بمسألة الذاكرة، خاصة عشية الذكرى الـ59 لاسترجاع السيادة الوطنية أكد فيها على معالجة قضايا الذاكرة الوطنية، ورسالته بمناسبة الذكرى الـ60 لليوم الوطني للهجرة.
أبدى رئيس الجمهورية حرصه الشديد على التعاطي مع ملفات التاريخ بعيدا عن أي تراخ أو تنازل وبروح المسؤولية التي تتطلبها المعالجة الموضوعية النزيهة بمنأى عن تأثيرات الأضواء .
هذا ما أزعج فرنسا التي راحت تطلق تصريحات نارية حول الذاكرة من قصر الإيليزي على لسان الرئيس إيمانويل ماكرون، والإدعاء أن الأمة الجزائرية لم تكن موجودة قبل الاستعمار الفرنسي.
شهدت بعض المحطات التاريخية إحتفالات كبيرة في البلاد، وتنشيط ندوات تاريخية حول الذكرى الـ67لإندلاع الثورة والذكرى الـ59 لإسترجاع السيادة الوطنية، العلاقات التاريخية الجزائرية الأمريكية 1795-1830 نشطها البروفيسور علي تابليت، ومشروع قانون تجريم الإستعمار، إحياء أسماء الأعلام الجزائرية القديمة من خلال الأعمال الفنية ببومرداس، إحياء الذكرى الـ65 لمجزرة أولاد يعيش بالبليدة ومعركة الجرف الشهيرة في شهر سبتمبر وندوات حول دور الدبلوماسية الجزائرية إبان الثورة.
وعرفت هذه السنة ندوات عديدة حول مبايعة الأمير عبد القادر، مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة ومحرقة الأغواط سنة 1852، ملتقيات حول الشيخ بوعمامة لإبراز مأثره، وأعمال مسرحية تسلط الضوء على جوانب من شخصيات الثورة على رأسهم الشهيد العربي بن مهيدي.
في المقابل، أطلقت وزارة المجاهدين وذوي الحقوق في 16 أوت 2021 مشروع “من ذاكراتنا” للتعريف بتاريخ الجزائر من 1830 إلى 1962.
وأطلقت مؤسسة ذاكرة الولاية الرابعة التاريخية “مشروع صورة لكل شهيد” لسنة 2021-2021، تحت شعار “حتى لا ننسى”، قصد تدعيم بنك معلوماتها بأكبر عدد من صور شهداء ثورة التحرير وتخليد ذكراهم وتعريف الأجيال الصاعدة بأبطال ضحوا بأنفسهم، وإنجاز سجل ذهبي لشهداء ولاية مستغانم إبان ثورة التحرير.
وعرضت أفلام وثائقية منها فيلم “وقوف على ذاكرة بطل” يختزل نضال المجاهد الراحل محمد لمين دباغين، يوم 7 جويلية 2021، فيلم حول مظاهرات الـ11 ديسمبر 1960 بعنوان” ليلة قبل المظاهرات” للمخرج كريم بلقاسمي.
إضافة إلى 21 فيلما قصيرا تتطرق معظمها للثورة التحريرية والجرائم الوحشية التي اقترفها الاستعمار الفرنسي، مع تنظيم معارض للصور والشهادات ومسابقات وطنية لإنجاز شعار خاص بالذكرى الـ59 لاسترجاع السيادة الوطنية.
وحظيت الذكرى المزدوجة لـ20 أوت 1955 و1956 ومظاهرات الـ17 أكتوبر 1961 بتغطية إعلامية واسعة عبر وسائل الإعلام الوطنية لاسيما اليوم الوطني للهجرة الذي أولاه رئيس الجمهورية سنة 2021 عناية كبيرة ونشطت ندوات من طرف مؤرخين جزائريين وفرنسيين سواء بالجزائر أوبفرنسا.
ودُشن النصب التذكاري المخلد للذكرى الـ60 للمظاهرات بساحة كيتاني ببلدية باب الوادي توبع بعرض الفيلم الوثائقي “جريمة” لرمضان رحموني.
وعُرضت أفلام وثائقية حول المظاهرات بباريس تخليدا لضحايا هذه المجزرة الإستعمارية، أتبعت بمناقشات بحضور شهود على هذا القمع، وفيلم اخر بعنوان “معركة الجزائر البصمة” للمخرج الفرانكو- جزائري شيخ جمعي، يتناول أهم مسارات الفيلم التاريخي معركة الجزائر 1966 للمخرج الإيطالي الشهير جيليو بونتي كورفو، إضافة إلى تصريحات المؤرخين الفرنسيين حول المجازر، واصفين إياها بالجريمة ضد الإنسانية والوجه القبيح للإحتلال الفرنسي بالجزائر.
ونظمت مظاهرات لمطالبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالإعتراف وإدانة هذه الجريمة التي ارتكبت في حق الجزائريين، وقد وقع على هذا النداء رابطة حقوق الإنسان وجمعية 17 أكتوبر ضد النسيان وجمعية جوزيف وموريس أودان ومجموعة 17 أكتوبر لمنظمة إيزار ومجموعة 17 أكتوبر 1961 بمارسيليا.
وعرفت الذكرى الـ60 لليوم الوطني للهجرة صدور عدد خاص حول المظاهرات بمجلة النقد بعنوان “17 أكتوبر 1961 بين التاريخ والذاكرة”، يجمع مساهمات مؤرخين وعلماء اجتماع ومخرجين سينمائيين يتطرقون إلى هذه الأحداث من زوايا مختلفة، منها مساهمة الخبير السياسي والمختص في التاريخ الإستعماريأوليفي لوكور غراندميزون في مقال حمل عنوان “من المعرفة إلى الإعتراف”.
المذكرات التي انتظرها الجزائريون طويلا
إضافة إلى صدور كتاب حول المجاهد والمناضل الكبير محمد لمين دباغين وكتاب اخر يحمل عنوان “قصيدة للأمير عبد القادر”، وهو مؤلف مستلهم من شعر مدح كتبه المفكر البولوني الكبير سيبريان كاميلنورويد يثني فيه على الأمير لإنقاذه الألاف من المسيحيين من الموت خلال القرن الـ19 .
ومن الكتب، التي انتظرها الجزائريون طويلا، مذكرات المجاهد لخضر بن طوبال (1923-2010) للمؤرخ دحو جربال في 379 صفحة.
تناول الكتاب بشكل دقيق فكر وعمل بن طوبال ومسيرته منذ طفولته إلى غاية التحاقه بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، من خلال حوار مطول مع الكاتب والمختص في علم الاجتماع محفوظ بن نون دام قرابة خمس سنوات من 1980 إلى 1985.