غالبا ما يكون نوع العلاقة بين المطالبة بالحق وأداء الواجب محددا أساسيا لمعرفة اتجاه المجتمعات في إعداد الإنسان، لبنتها الأولى وأساس وجودها وتواجدها بين الشعوب الأخرى، تلك العلاقة تعطي صورة واضحة عن حقيقة «المُنتَج» الذي يعطيه هذا البناء الإنساني صيغته النهائية ليكون نواة النهضة.
غير أن التجارب البشرية على مر «دورات حياتها»، أثبتت أن «المُنتَج» صانع المستقبل لن تكون له نفس مقاييس ومعايير صانع النكسة.
لذلك قال الفيلسوف الجزائري مالك بن نبي، إن إفساد النهضات يكون بإنتاج «إنسان النصف» يتميز بإلحاحه الشديد على طلب حقوقه دون القيام بالحد الأدنى من واجباته، فهو لا يدرس كطالب ولا يعمل كموظف ولا يبدع في معمل ولا يبتكر في متجر ولا ينجز في مشروع، هو نموذج المُنتَج المغشوش الذي لم يتم اتباع المقاييس المضبوطة في صناعته، ولن تكون الأسرة بعيدة عن أداء دور مفصلي في ضبط لمسات «المُنتَج» الأخيرة، لتكون طرفا محوريا في معادلة الغد.
الأسرة هي المصنع الذي تعمل آلاته في دقة تامة من أجل «تركيب» دقائق شخصية إنسان، من المفروض أن يكون طامحا ومبدعا وطالبا للكمال فيما يتبناه من مبادئ تكون جوهر «أناه» وهويته، فالـ «أنا» بين تعاظم وانكسار يصنع خيبات المجتمعات أو سعادتها، لأنه القادر على التغيير تحدد الإرادة والعزيمة تجاهه إما إلى أعلى حيث يبدع أو إلى أسفل حيث الانحطاط والركون الى «مخدر» «لا أستطيع».
إنسان النصف نموذج لكل واحد يؤمن بطرف واحد من معادلة الحقوق والواجبات، يكون فيه الـ «أنا» مربط كل شيء، ما يجعل الأنانية الشعور المسيطر على كل شيء، لذلك غالبا ما يُبقي مجتمعاتها على هامش الحضارات وتطور البشرية، لولا الدور المحوري لـ «نحن» في ارتقاء إنساني لكل معاني التعاون والتقدم، لأن ضمير جمع المتكلم يخدم به الفرد الجماعة وبه أيضا تخدم الجماعة الفرد، في علاقة تكامل تام، عكس الأنا التي تخدُم الفرد فقط، حيث يضع نفسه كأولوية قصوى حتى وإن كان على حساب الجماعة.