على حين غرّة، وجدت كازاخستان نفسها في مواجهة غضب اجتماعي مزلزل، سرعان ما تحوّل إلى أسوأ أعمال عنف في تاريخ هذه الدولة التي كانت قبل ثلاثة عقود من بين جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق الأكثر استقراراً وهدوءا.
شرارة الاحتجاجات انطلقت، الأسبوع الماضي، في المناطق الغربية للبلاد، على خلفية ارتفاع حاد في أسعار الغاز، وبالرغم من موافقة السلطات على خفض الأسعار إلى مستواها السابق، لم تهدأ المظاهرات، بل امتدت لأنحاء أخرى لتشتعل كل مناطق هذه الدولة التي تتربع على تاسع أكبر مساحة في العالم، وتعتبر القلب النابض لاقتصاد منطقة آسيا الوسطى بمناجمها الثمينة ونفطها وغازها.
وقد أثارت السرعة التي تحولت بها المظاهرات إلى العنف، دهشة كثير من المراقبين سواء في الداخل أو الخارج، وأومأت إلى أنّ الأمر أكبر من كونه مجرد ارتفاع في تكلفة الطاقة.
بل وذهبت بعض القراءات والتحليلات إلى الجزم بأنّ الأمر أكبر من مجرّد رفع سعر غاز البترول المسال الذي يستخدمه كثيرون لسياراتهم، في دولة هي من أكبر منتجي هذه المادة، لأنه لو كان الأمر كذلك لهدأت الشوارع مباشرة بعد تراجع الرئيس عن الزيادة المقترحة.
ويعتقد كثير من المراقبين، أنّ ارتفاع أسعار الغاز المسال وأسعار الكثير من المواد الغذائية الأخرى كما هو حاصل في العالم أجمع، قد يكون القطرة التي أفاضت الكأس، لكن الكأس كانت مملوءة بتذمر عام ناتج أولا، عن تدهور الوضع الاقتصادي خاصة على مدى العامين الماضيين بسبب وباء كوفيد، حيث بلغ معدل التضخم مستوى مرتفعًا جدًا، وانخفضت قيمة العملة الكازاخستانية «تينغ» بشكل كبير.
والسبب الثاني لتذمر الكازاخ، حسب هؤلاء المراقبين، مرتبط بمسائل سياسية، وتحديدا برفضهم لما يعتبرونه استمرار تأثير الرئيس السابق سلطان نزار باييف على المشهد الكازاخي، فهذه الاحتجاجات بمنظور هؤلاء المراقبين موجّهة بالأساس ضد باييف الذي تولى قيادة البلاد، لسنوات عديدة، كأول رئيس وزراء في عام 1984، بينما كانت كازاخستان لا تزال جمهورية سوفييتية.
وبعد ذلك، أصبح رئيسًا عبر انتخابات غير مطعون في نزاهتها، لكن في عام 2019، انقلب عليه الشعب وتنحى عن السلطة، وسط مظاهرات نادرة مناوئة للحكومة، ومع ذلك بقي فاعلا في الحياة السياسية.
غير أنّ هذه التوقعات وتلك، لا تخفي حقيقة أخرى أراها ذات أهميّة كبرى، فهل هي صدفة أن يتفجّر الوضع في محيط روسيا بشكل متزامن من بيلاروسيا إلى أوكرانيا، فكازاخستان؟.
إن توقيت الاحتجاجات لا يبدو عرضيا على الإطلاق، فهي تأتي عشية المباحثات المرتقبة بين موسكو وواشنطن الاثنين المقبل، ما يفتح الأبواب للشك بأن يكون الأمر -كما قال البعض- مجرّد «ضربة تحت الحزام» لروسيا لتوجيه كفة قمة بوتين و بايدن لصالح هذا الأخير.
ويبقى السؤال المطروح إلى أين يتّجه الوضع في كازخستان التي انطلق منها رائد الفضاء السوفييتي يوري غاغارين ا ليصبح أول رجل يذهب إلى الفضاء، وهل هي ثورة ملونة أخرى أم مجرّد سحابة تنجلي قريبا؟