أعلنت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة «فاو» قبل أيام، أنّ أسعار الأغذية العالمية بلغت في السنة المنصرمة أعلى مستوى لها منذ عشر سنوات، مسجلة ارتفاعا بمعدل 28 % مقارنة بالعام السابق.
وأوضحت «الفاو» استنادا إلى خبرائها، بأن الجائحة وآثارها المدمّرة لم تترك فسحة كبيرة للتفاؤل بعودة سوق الغذاء العالية إلى استقرارها في 2022، كما لم تترك مجالا للتخلّص من ظاهرة الجوع التي ازدادت استفحالا خاصة في الدول الفقيرة وتلك التي تعاني أصلا من أزمات إنسانية، ناجمة عن النزاعات، والكوارث الطبيعية، وتغير المناخ.
هكذا إذن وعلى مدى عامين، أدّت الأزمة الصحية التي تسبّب فيها فيروس كورونا إلى تراجع الأمن الاقتصادي والغذائي لملايين البشر، فكان ارتفاع معدلات الجوع واحدا من أشد الأعراض الملموسة للجائحة التي دفعت بالكثير من الشعوب للسقوط في مصيدة الفقر المدقع.
والمفارقة أنّ الفيروس اللعين الذي أصاب الاقتصاد العالمي بأسوأ أزمة منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وشل حركة ومؤشرات نموه، كما عطّل معظم القطاعات التجارية في كل دول العالم، لم يستثن بتداعياته المميتة حتى الدول الغنية ذات النظم الصحية القوية
التي رزحت ولازالت تحت وطأة الضغط،وهي تحارب طواحين الريح للتقليل من الأعراض الخطيرة للوباء على اقتصادها وشعوبها، لكن الظاهر أن هذه الحروب الدونكيشوتية التي لم تحقّق الانتصار إلى غاية اليوم، قد تطول أكثر، مادام أن الآمال بنهاية الكابوس تبخّرت في الماء مع ظهور المتحورات الجديدة التي لازالت تعطّل مسيرة النمو، وتوسّع رقعة الجوع والفقر والعوز.
وإذا كنّا اليوم نقف عند الآثار الاقتصادية المدمّرة للأزمة الصحية التي تعصف بالعالم، فلكي نحذّر من تداعياتها على استقرار الدول، خاصة مع ظهور مؤشرات لاضطرابات وتوترات هنا وهناك بسبب تردي الوضع المعيشي، مثل ما يجري في كازاخستان، إذ تفجّر الوضع نتيجة قرار الحكومة رفع سعر الغاز المسال، ويعيش لبنان هو الآخر على صفيح ساخن بسبب الأزمة الاقتصادية، كما أن لتدهور الوضع الاقتصادي دوره فيما يعانيه السودان من تصعيد وتونس من صعوبات.
كورونا خلق وضعا صعبا، ما في ذلك شكّ، ما يتطلّب من العالم أن يكون أكثر توحّدا وتجانسا في معالجة تبعات هذا الوباء الصحية، والاقتصادية، والاجتماعية، والتنموية المستقبلية لتلافي الوقوع في مصيدة العنف والفوضى.