تزينت قرى ولاية تيزي وزو، بأبهى الصور والديكورات الرائعة، اياما قليلة فقط قبل دخول رأس السنة الأمازيغية 2972 ، التي يعتبر الاحتفال بها تقليدا توارثه أهل منطقة القبائل، ومختلف ولايات الوطن أبا عن جد، ويبدأ التحضير لاستقباله والاحتفال به تيمنا بالسنة المقبلة.
اختلفت الروايات حول أصل الاحتفالات بيناير “thaboureth usgas” أو بوابة العام والحكايات، إلا أن مؤرخون ربطوه بحدث تاريخي، ألا وهو انتصار الملك الأمازيغي شيشناق على فرعون مصر، وذلك منذ أربعة قرون قبل الميلاد.
وتختلف الأساطير بين عجوز تحدت شهر يناير، وأخرى لسكان يعتزون بالأرض و الفلاحة، ما جعلهم يباركون الموسم الزراعي ويربطونه برأس السنة الامازيغية وبداية التقويم الزراعي، الذي كان يعتمد عليه فلاحون من أجل الزارعة والفلاحة لتكثر الخيرات، فهم يربطون يناير بالبركة وزيادة الخيرات، ويبشر بعام مليء بالازدهار والنجاح.
ورغم اختلاف أساطير يناير إلا ان المتفق عليه هو الاحتفال به في مختلف ولايات الوطن، وحتى بلدان المغرب العربي.
بدأت مظاهر الاحتفال تطغى على كل قرى تيزي وزو، فلا تخلو أي قرية أو شارع من أجواء الفرح والفرجة، التي تبشر ببداية عام جديد، حيث شرعت النساء بالتنافس والتسابق لاقتناء مختلف الحلويات، الى جانب البقوليات والخضار من اجل اعداد الاطباق التقليدية خاصة طبق الكسكسي الذي تشتهر به المنطقة.
تقول “النا وردية” جدة عن تقاليد الاحتفال بيناير بين الأمس واليوم، أنه صبيحة يوم يناير تبدأ النساء في تحضير طعام العشاء في الوقت الذي يقوم الرجال بقعع اغصان من الدفلى و يبدؤون باللف بها عبر الحقول وكل مزروعاتهم، ثم يعودون إلى المنزل ليقوموا بنفس المهمة وهم يرددون عبارة” اهرب اهرب يا مارس، قبل ان يأتي الخماس.. ويكسر لك فكيك”، من اجل اخراج البرد وتيمنا بحلول فصل الحر، وعند انتهائهم من هذه العملية تحضر لهم وجبة الحريرة من السميد. أما غصن الدفلى فيقومون بتعليقه في مدخل الباب على ان يضعوه في البخور كلما مرض احد افراد العائلة.
هذه العادات حسب شهادة “النا وردية” اندثرت في بعض المناطق فيما لا تزال سارية في مناطق أخرى،
يناير فرصة لتزين الفتيات العازبات بمواد التجميل التقليدية
وتروي “النا وردية” التي عادت بها ذاكرتها الى صباها وشبابها، اهتمام الجدات بالفتيات العازبات اللائي يأخذن حصة الأسد من هذه الاحتفالية، حيث تقوم الجدة بتحضير بعض مواد التجميل التقليدية لهن، وهذا بالاعتماد على أشجار الطبيعة.
تقوم الجدة بأخذ غصن من شجرة تدعى “اوزو” وتحرقها على احدى آلات الحديد المستعملة في الحرث، من أجل استخراج مادة سوداء تستعمل في تزين الفتاة نهار يناير، لابراز جمالها وبعدها يقصدن بعض الأماكن من اجل الزيارة مثل مقامات الاولياء الصالحين. وهو تقليد ما يزال راسخ في الأذهان الى غاية الآن -حسب المتحدثة- وفال خير من أجل تزويج الفتيات والتمتع بالصحة على مدار السنة.
توزيع التركة في يناير .. ومنح الأطفال نصيبهم من الارث
تسعى كبار العائلات إلى تقسيم التركة بين اولادهم في نهار يناير، وهذا تفاديا لأية مشاكل او مشاحنات، حيث تولي عائلات في منطقة القبائل قيمة كبيرة لهذا الحدث ما يجعلها تضع كل المشاكل جانبا وتجتمع حول طاولة طعام في ليلة يناير في أجواء أخوية وفرح، ويقبل الجميع نصيبهم في التركة كما أسفرت عليها القسمة.
الأطفال الصغار يحظون باهتمام كبير من طرف أفراد العائلة، نهار يناير حيث يقوم كبير العائلة يحلق شعر الطفل الذي دار عليه العام، أمام عتبة باب الدار، ليقوم الجد او الأب بمنحه شجرة زيتون تسمى على اسمه ويرثها للأبد، حيث تقول “النا وردية”، ان تلك الشجرة تبقى ملكا للطفل حتى لو قاموا ببيع قطعة الأرض، فلا أحد يمكنه ان ينتزع منه ملكه وهذا التقليد ما يزال متعامل به الى غاية الأن، في عديد القرى بمنطقة القبائل.
أما الطفل الذي خرجت أسنانه فلديه احتفال خاص به حيث تقوم الجدة او الأم بإعداد الطعام وتوزيعه على الجيران، وبعدها تملاء قصعة من الطعام ويضعونها على رأس الطفل ويقومون بإطعام الأطفال الآخرين منها، وهذا فال لكي تقوى اسنان الطفل، في حين يقومون بوضع أطفال آخرين في قصعات ويرمون عليه مختلف انواع الحلويات.
مظاهر الاحتفال بيناير تتم في ديكورات رائعة واجواء من الفرجة والمتعة، وفرح كبير وقد تعدت في وقتنا الحالي حدود عتبات المنازل و القرى، لتأخذ طابع رسمي خاصة بعد ترسميه كعيد وطني يحتفل به كل الجزائريين، لتأخذ الاحتفالات أشكالا رسمية، وهذا ما لمسناه في البرنامج الثري الذي اعدته مديرية الثقافة والمسرح الجهوي كاتب ياسين بتيزي وزو.
برنامج ثري لاحتضان الاحتفالات الرسمية بتيزي وزو
يشارك فاعلون ثقافيون ، وأعضاء الحركة النقابية ولجان القرى، والسكان في تنظيم برامج ثرية من الأنشطة الثقافية والفنية، رفقة ممثلي ولايات ينزلون كضيوف شرف على ولاية تيزي وزو، تزامنا مع احتفاليات يناير. من هذه الولايات تمنغاست ، البيض ، خنشلة ، وهران ، الجزائر العاصمة ، بجاية، التي شاركت بمختلف عاداتها وتقاليدها التي زينت معارض دار الثقافة مولود معمري .
ويتضمن برنامج الاحتفالات، الذي أعدته مديرية الثقافة والفنون بولاية تيزي وزو وكذلك جميع المؤسسات الثقافية التي تم حشدها للاحتفال برأس السنة الأمازيغية يناير 2972 ، عدة محاور شعار قاعدة يناير الوطنية والثقافية والهوية ”
سوق يناير في طبعته الأولى… فرصة لعرض منتوجات تقليدية
نظمت مديرية الثقافة لولاية تيزي وزو ولأول مرة في تاريخ الاحتفاليات بيناير،” سوقا تجاريا ليناير”، وهو السوق الذي افتتح على مدار هذا الأسبوع و تزين به دار الثقافة مولود معري، والذي تحول الى فسيفساء للجمال والديكورات الرائعة من خلال مختلف ما جادت به انامل العارضين الذين احضروا مختلف المنتوجات التقليدية والحرف التقليدية ما استقطب العديد من الزائرين الذين وجدوا ضالتهم في المعرض الذي زاد من جمال الاحتفاليات بيناير.
المشاركون الذين قدموا من مختلف ولايات الوطن وعدة مناطق من الولاية، حرصوا على تقديم اجمل وأروع ابداعاتهم التي تحاكي جانبا ونمطا معيشيا خاصا للعائلة القبائلية، من خلال التصاميم والمنتوجات التقليدية في حلتها القديمة، تماشيا ومناسبة يناير التي تخلد ذكرى راس السنة الامازيغية 2972 وانطلاق الموسم الزراعي حسب التقويم الامازيغي.
ومن بين السلع والمنتجات المعروضة في السوق الذي طغى عليه العنصر النسوي ، نجد الألبسة التقليدية وفي مقدمتها الجبة القبائلية و البرنوس الأصلي، الى جانب الحلي والمجوهرات الفضية، القفف اليدوية الصنع والتي عادت الى الواجهة في السنوات الاخيرة، الى جانب بعض المنتجات الطبيعية المصنوعة يدويا مثل الصابون الطبيعي، انواع الخبز المختلفة، حلويات وأطباق التقليدية، تدخل في احتفالات رأس السنة الامازيغية.
وإلى جانب المعرض المذكور، سطرت مديرية الثقافة بولاية تيزي وزو، برنامجا ثريا، تضمن الاحتفاء بكبار الفن الرابع على غرار “موحيا” وكذا تكريما خاصا بعميدة الأغنية القبائلية “نوارة” وكذا العرض الاولي لفيلم “الافيون والعصا” المترجم للامازيغية من طرف “سمير نايت بلقاسم”.