يتطلّع المواطن البسيط منذ ثلاث سنوات لتحقيق حلم امتلاك سيارة، أمر أصبح مع مرور الوقت صعب المنال، ما جعله يعلّق كل آماله على دفتر شروط استيراد السيارات، الذي أعلن وزير الصناعة في وقت سابق عن نهاية الشهر الجاري موعدا للإفراج عن بنوده.
وفي انتظار صدوره يرى المختصون صعوبة لحلحلة ملف السيارات لارتباطه بالمؤشّرات الداخلية والخارجية لسوق السيارات.
أكّد مختصّون في تصريحات لـ «الشعب» بقاء أسعار السيارات مرتفعا بالمقارنة مع ارتفاع أسعار الشحن البحري، وأسباب أخرى، فيما أشاروا الى تفويت فرصة مساهمة القيمة المضافة في رفع إيرادات الخزينة العمومية نظرا للتعقيدات التي يعرفها هذا الملف منذ سنوات، وفي انتظار الحل قد تكون الصيرفة الإسلامية السبيل الأمثل لتحقيق حلم اقتناء سيارة.
هارون: الأسعار ستبقى مرتفعة
قال الخبير الإقتصادي عمر هارون «إنّ انفراج ملف السيارات في 2022 مرتبط بحقيقة وجود ونوعية دفتر الشروط الجديد، فمن المفروض أن يعاد إنجازه باستشارة أهم مموّني السوق الجزائرية حتى يتضمّن شروطا معقولة، على اعتبار أنها السبب الرئيسي في تغييره المتكرر بسبب عدم ملاءمتها لقدرات المستثمرين الجزائريين»، مؤكّدا «أن جديد دفتر الشروط هذه المرة هو السّماح للشركات الأجنبية بالدخول في شراكة مع متعاملين جزائريين، بحكم أن سوق السيارات ليس من الأسواق الإستراتيجية، لذلك فإن رفع القاعدة الاستثمارية 49-51 سيعطي أفضلية للانفراج وحلحلة الملف».
في المقابل، يرى المتحدث أنّ الإجراءات الإدارية وتلك المتعلقة بطلب وشحن السيارات من الخارج هي السبب في تأجيل وصولها إلى الجزائر، حيث يعتقد أن وصولها سيكون مع الدخول الاجتماعي المقبل من السنة الجارية أي شهر سبتمبر، «فلا بد أن لا ننسى أن جلبها يتطلب وضع طلبيات، لذلك ينتظر الآن ما ستفرزه الأيام فيما يتعلق بدفتر الشروط، الذي أكّد وزير الصناعة في فترة سابقة أن الانتهاء منه سيكون نهاية الشهر الجاري، ولاحظ في هذا الصدد أنه في الكثير من المرات كانت هناك وعود لم تتحقق على أرض الواقع”.
وبالرغم من تصريح الوزير – حسبه – فإنّه لن يحدث أي تغيير، وستبقى الأسعار مرتفعة والندرة كبيرة في السيارات، وسيبقى أيضا عدد قليل من السيارات متداولا في السوق الجزائرية.
بالإضافة إلى ذلك كشف عن وجود مشكل آخر مطروح بقوة في هذه الأيام، متعلق بقطع الغيار والارتفاع الكبير في أسعارها في الجزائر، وهذا مشكل آخر يضاف إلى مشاكل ملف السيارات.
أما عن إطلاق صناعة حقيقية للسيارات في الجزائر، قال الدكتور إنّ الجزائر أطلقت في السنوات الماضية مسار صناعة السيارات التقليدية، ما اعتبره خطأ لأن أوروبا ستتوقف عن بيع السيارات التقليدية في آفاق 2040، حيث سيتوقف تداولها وسيرها بصفة نهائية في آفاق 2050، ما يجعل من السيارة التقليدية التي ركبناها في الجزائر بدون مستقبل.
لذلك يجب، حسبه، تدارك التأخر في هذا المجال بإطلاق صناعة سيارات المستقبل أي الهجينة، التي تسير بالبنزين العادي وبالكهرباء، تكون محرّكاتها صغيرة نسبيا ذات قوة 0.9 أو 0.8 لأنّ هدفها الأساسي شحن البطاريات الكهربائية.
وفيما يتعلّق بإطلاق صناعة حقيقية لقطع الغيار تكون قاعدة إطلاق صناعة السيارات، يرى هارون أن انتاج قطع الغيار هي صناعة مناولة ترتبط في كل العالم أما بعلامات كبرى تفتح مصنعا لها في دولة ما لإنتاج قطع الغيار، فهي تنتج لعلامات معيّنة لذلك، تساءل، عندما تطلق صناعة لقطع الغيار، فأي علامة ستنتج. وهنا الأمر مرتبط بنوعية السيارات التي سيتم استيرادها، ومنه لن يكون لهذه الصناعة سوقا لأنّه غير محدّد في الجزائر، ففي كل دول العالم تقوم إحدى «العلامات» بفتح مصنع لتزويد السوق العالمية بقطع الغيار، أو أن يكون هناك مصانع مناولة تنتج قطع الغيار.
وعن سؤال يخص الحلول المتوفرة ليتخلّص ملف السيارات من الانسداد، أوضح الخبير الاقتصادي أنّ أهم الحلول أصبحت جد محدودة، لأنّها كانت موجودة عندما كانت أزمة كوفيد-١٩ في أوّجها، حيث نادينا في تلك المرحلة بتخصيص مبالغ بسيطة تصل إلى نصف مليار دولار لتحقيق عوائد كبيرة من جلب السيارات، حيث عرفت المصانع في مختلف بلدان العالم تكدّسا للسيارات، أما الآن فالأمر مختلف لوجود مشكل في جهاز «الذاكرة»، حيث عرفت صناعة الرقائق الإلكترونية تراجعا كبيرا بسبب الجائحة ما تسبب في تأخر الطلبيات إلى خمسة أو ستة أشهر، ما انعكس على سعر السيارات التقليدية أو الحديثة المتعارف عليها ليتصاعد منحناها بشكل ملحوظ.
أما فيما يتعلق بالأسعار، فأكّد أنّها ستبقى مرتفعة لكن بدخول الصيرفة الإسلامية، وتوسّع استعمالها ستكون هناك حلول في إطار المرابحة أو ما يعرف بالقروض الاستهلاكية، التي ستمكّن المواطن من اقتناء سيارة أصبحت حلما صعب المنال بالنسبة له، في انتظار إنتاج السيارات الهجينة والكهربائية في الجزائر.
حميدوش: طلبات السّنوات الثلاث تتراكم
من جانبه، تأسّف الخبير المالي امحمد حميدوش لتوقيف استيراد السيارات، فالجزائر تدخل عامها الثالث وما يزال الحديث عن شراء السيارات، متسائلا عن موقع دفتر الشروط فيكفي وضع معايير الصحة البيئة وأخرى لكل مكان وزمان حسبه.
وأضاف «من المفروض لا يوجد مشكل في شراء سيارة في أي بلد في العالم، وبالتالي إجراء دفتر الشروط سيسبب أزمة في السوق نظرا لخلل بين العرض والطلب، فدور الحكومة يجب أن يكون متعلّقا بالتنافسية»، وكشف أنّه نتيجة الخلل الموجود تأثّرت حظيرة السيارات في الجزائر حيث أصبحت قديمة، ما يعني أنّها ستتسبّب في حوادث مرور وصعوبة تنقل الأفراد.
إلى جانب – يضيف- عدم قدرة شراء السيارات لارتفاع الطلب مقارنة بالعرض، كما يتسبّب أيضا في الإخلال بمداخيل الرّسوم الجمركية والضرائب، وكذا بمناصب الشغل بالنسبة لقطاع السيارات، معتبرا أنّها قيمة مضافة من المداخيل لا تصب في الخزينة.
وفي سياق ذي صلة، أرجع الخبير السبب إلى عاملين اثنين أولهما خفي هو الخوف من انخفاض احتياطي العملة الصعبة في الخزينة، أما الثاني وهو السبب الظاهر متعلق بدفتر الشروط، مع العلم أنّه يمكن إنجازه في ظرف لا يتجاوز أسبوعا، لذلك ساهم تأخر إنجازه في تضرر المواطن والاقتصاد الوطني، فالاستيراد متوقف منذ ثلاث سنوات، ما يعني أنّ الطلب الموجود هو تراكم لثلاث سنوات.
وأوضح حميدوش أنّ الطلب سيتم امتصاصه بعد سنتين، لأنّ العملية تمر بوضع طلب لتصل بعد ستة أشهر، وبالنظر إلى ارتفاع تكاليف النقل البحري قد يفضل البعض شراء سيارتهم نهاية السنة، كما ارتفع سعر قطعة الغيار المتحكّمة في «التيربو» من 42 أورو إلى 420 أورو، بالإضافة إلى وجود مشكل عالمي في توفر المعادن النادرة التي تدخل في تصنيع الشرائح الالكترونية في السيارة، فأوروبا في الفترة الحالية تعرف مشكلا فيما يخص تركيب السيارات، ما جعل المواطن الأوروبي ينتظر قبل اقتناء سيارته بسبب نقص في قطع الغيار الحديثة، ما ينعكس سلبا على عملية الشراء في الجزائر.