يخوض عضو الأمانة الوطنية لجبهة البوليساريو، المكلف بأوروبا والإتحاد الأوروبي، أبي بشرايا البشير، في آخر مستجدات القضية الصحراوية، وعلى رأسها الجولة الرسمية الأولى التي يقوم بها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا إلى المنطقة.
نعود مع أبي بشرايا، في هذا الحوار مع “الشعب أونلاين”، للحديث عن الجلسة الرسمية العامة حول القضية الصحراوية، التي عُقدت، مؤخرا، بالبرلمان الفرنسي، والأهمية البالغة التي اكتستها بالنظر إلى التطورات الميدانية الحاصلة.
ويرد المتحدث، في إجابته، عن ما وصفه بمغالطات تقرير مفوضية الاتحاد الأوروبي حول ثروات الشعب الصحراوي، وقيمة الثروات الصحراوية المنهوبة من قبل المحتل المغربي، والتي تتعدى -حسبه- مليارات من اليوروهات.
يجرى المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، ستيفان دي مستورا، أول جولة رسمية في المنطقة، منذ تعيينه، ما المنتظر من هذه الزيارة؟
المبعوث الشخصي الجديد يزور المنطقة في سياق مختلف تماما عن المبعوثين السابقين، يتسم بعودة الحرب إلى الصحراء الغربية بعد 30 سنة على وقف إطلاق النار.
القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي، والذي كان ينبغي أن يحمل ملامح السياق الجديد، ويحدد إطار مهمة المبعوث الجديد بشكل واضح، كان مخيبا للآمال.
عموما، المبعوث لم يكن مشكلة تداول على الملف العديد من الشخصيات الدولية النافذة، وانتهت إلى الاستقالة، بسبب تقاعس مجلس الأمن الدولي عن الاضطلاع بمهمته الأصلية وتركه الحبل على الغارب للاحتلال، حتى وصلنا إلى ما وصلنا اليه يوم 13 نوفمبر.
عموما، التحدي الكبير أمام دي ميستورا، ليس البحث عن صيغة للحل. الحل موجود منذ 1991 من خلال مخطط التسوية الموقع عليه بين الطرفين، والاتفاقيات التكميلية في هيوستن سنة 1997، والمطلوب هو فرض تطبيقهما.
عدا ذلك، يعد تضييعا للوقت ودعوة للجري وراء السراب 30 سنة أخرى، لم نعد مستعدين لها، لم تعد حتى شعوب المنطقة مستعدة لها.
بات من الواضح أن أمن واستقرار المنطقة، يمر حتما عبر احترام إرادة الشعب الصحراوي والتسليم بحقه المشروع ووجوده الوطني الذي لا رجعة فيه.
قبل أسبوع فقط، من هذه الزيارة، أدرج ملف الصحراء الغربية في جلسة رسمية عامة بالبرلمان الفرنسي، ماذا يعني ذلك للقضية الصحراوية؟
في اعتقادي، الجلسة العلنية للبرلمان الفرنسي المخصصة للصحراء الغربية يوم الخميس ما قبل الماضي، شكلت تطورا بالغ الأهمية بالنظر إلى ثلاث عوامل رئيسية.
أولا، الجلسة وقيمتها القانونية والسياسية من حيث أنها جلسة رسمية للبرلمان وفي إطار مراقبة عمل الدولة الفرنسية، وهو التمرين السنوي الأهم بالنسبة للبرلمان، وبالتالي فان اتفاق المجموعات السياسية، باقتراح من مجموعة اليسار الديمقراطي الجمهوري، على ادراج موقف فرنسا من النزاع في الصحراء الغربية، يعتبر اقرارا بأهمية هذا النزاع وضرورة لعب فرنسا دورا أكثر توازنا فيه.
العامل الثاني، هو السياق الذي عقدت فيه الجلسة والذي اتسم بعودة الحرب إلى الصحراء الغربية وحالة التوتر التي تعيشها المنطقة بسبب السياسات اللامسؤولة للرباط وخطواتها الهادفة لضرب أمن واستقرار المنطقة.
العامل الثالث هو محتوى النقاش، الذي حظي من خلاله الطرف الصحراوي، سواء عن طريق جبهة البوليساريو أو عن طريق المحامي جيل دوفير أو الناشطة وزوجة المعتقل السياسي الصحراوي كلود مانجين أسفاري، والتي تناولت الدور السلبي لفرنسا سياسيا، قانونيا وحقوقيا وتم من خلالها، بالأدلة الدامغة تعرية التواطؤ المزمن بين باريس والرباط لتقويض جهود الأمم المتحدة لتصفية الاستعمار من الصحراء الغربية والالتفاف على قرارات المحكمة الأوروبية، والاعتراض على أي تفويض للمينورسو لحماية حقوق الانسان في الصحراء الغربية وإيقاف الانتهاكات البشعة المتواصلة لحقوق الشعب الصحراوي تحت الاحتلال العسكري المغربي.
وعليه الجلسة، من الناحية الرمزية، ومن ناحية توقيتها تعكس اهتماما من طرف البرلمانيين الفرنسيين بالنزاع، ونتمنى أن تؤسس لمنعطف في هذا الإطار.
هل يمكن الحديث عن تغيير في الموقف الفرنسي تجاه ملف الصحراء الغربية؟
لا يمكن القول على الاطلاق إن الأمر يتعلق بحدوث تغيير في الموقف الفرنسي، اذ أن الوزير الفرنسي، أثناء اجوبته على مساءلات النواب خلال الجلسة، اكتفى بترديد نفس الأسطوانة الرسمية للموقف الفرنسي والتي تظهر دعما للموقف المغربي، مع ملاحظة اقراره بخطورة الوضع المتفجر في الصحراء الغربية إثر اندلاع الحرب، وهو ما يشكل خطوة مهمة في حد ذاتها، اذا أن المغرب، ما زال ينكر واقع الحرب ويحاول التقليل من ما جنته مواقفه الطائشة على أمن واستقرار المنطقة.
في النهاية، التغيير الذي نطمح له، هو أن توازن فرنسا من موقفها بين طرفي النزاع، ما يعني دعمها للقانون والشرعية الدولية أي تطبيق الاتفاق الموقع بين الطرفين سنة 1991، والذي يتضمن تنظيم استفتاء تقرير المصير كحل وسط حقيقي.
على كل نحن نأمل أن تشكل هذه الجلسة ومحتوى نقاشاتها بداية معالجة فرنسية أكثر توازنا للقضية.
ما المستخلص من هذه الجلسة؟
الكرة الآن في مرمى الحكومة الفرنسية، اذ أن الوصفة التي اعتمدتها خلال 30 سنة، بل ومنذ بداية النزاع، كانت مبنية على أساس دعم المغرب في موقفه الاستعماري في الصحراء الغربية وتفضيله “كالطفل المدلل” على باقي دول وشعوب المنطقة، تلك الوصفة لم تنتج إلا الحرب والمنزلق الحالي حيث تقف المنطقة برمتها على عدم استقرار أكثر تعقيدا، قد تكون له نتائج وخيمة على أمن واستقرار المنطقة، وكذا ضفتي البحر الأبيض المتوسط.
وعليه، من واجب فرنسا، بعد التطورات الأخيرة على الأرض وفي المنطقة، ومحتوى جلسة البرلمان الفرنسي الأخيرة، أن تبدأ التفكير في تغيير الوصفة والتأسيس لأخرى جديدة على أساس احترام الشرعية والقانونين الدولي والأوروبي.
استنكرتم، مؤخرا، محتوى تقرير لمفوضية الاتحاد الأوروبي رغم وجود أحكام قضائية واضحة للمحكمة الأوروبية بشأن ثروات الشعب الصحراوي، ما خلفيات هذا التقرير؟
بالفعل استنكرنا ذلك التقرير وعبرنا عن رفضنا المطلق له، لسبب وحيد هو تناقضه الصارخ مع قرارات العدالة الأوروبية وآخرها قرار المحكمة الأوروبية الصادر مؤخرا يوم 29 سبتمبر 2021، والذي أكد من جديد أن الشرط المسبق والحصري لأية شراكة تخص الثروات الطبيعية للصحراء الغربية تتطلب بالضرورة الحصول على موافقة الشعب الصحراوي، وأقبر بشكل واضح مغالطات “استفادة السكان” ونفى أية صدقية لمناورات المفوضية المتعلقة بالجولات الميدانية في الإقليم لمعرفة رأي السكان.
التقرير الصادر عن المفوضية، لا يعد خرقا لقرارات المحكمة فقط، لكنه تسفيه للقضاة الأوروبيين وذر للرماد في الأعين وعملية تمجيد واضحة لاحتلال عسكري بشع خارج كل أنواع القوانين والمواثيق الدولية.
الشعب الصحراوي، ممثلا بحركة التحرير الوطنية، جبهة البوليساريو المعترف بها من طرف الأمم المتحدة ومن طرف القانون والقضاء الأوروبيين لم تعط موافقتها لاستغلال ثروات الصحراء الغربية، وبالتالي، اتفاقات الاتحاد الأوروبي والمغرب تعتبر غير شرعية، وهي عملية نهب وسرقة لموارد شعب محتل ومقهور.
الاستفادة لم ولن تكون مطلبا للصحراويين، والمطلب الوحيد هو ما أقرته المحكمة الاستشارة الحقيقية والأصلية للشعب الصحراوي.
لهذا نندد بتقرير المفوضية ونرى أن يشكل دعما صريحا للاحتلال المغربي، وسببا في تغذية تعنته، وبالتالي تشجيعه على مواصل التمرد على الشرعية الدولية.
هل لديكم تقديرات لقيمة ثروات الشعب الصحراوي المنهوبة من قبل المحتل المغربي في العقود الماضية؟
على مدار السنوات التي تم فيها توقيع هذه الاتفاقيات بين الاتحاد الأوربي والمغرب، قيمة الثروات المنهوبة تتعدى المليارات من اليورو، كما أن التحايل فيما يتعلق بالإعفاء من الرسوم الجمركية لمنتجات صحراوية – غير مغربية تم تسويقها في أوروبا يعد بمئات الملايين من اليورو.
نحن أمام ضخ غير مسبوق، وعن سابق إصرار وترصد، من طرف أوروبا لموارد هائلة في شرايين الآلة الاستعمارية العسكرية المغربية التي تقف وراء قمع وتشريد الشعب الصحراوي.
في مرحلة ما سنكون مضطرين للتوجه للعدالة لإرجاع الأموال إلى مالكها الأصلي الشعب الصحراوي، وإلى إجبار الشركات الأوربية المتورطة على إعادة الأموال المترتبة عن التحايل على قوانين الإعفاء الضريبي للمنتجات.