بعد انقضاء سنة وبضعة أيام على خروج بريطانيا رسميا من الاتحاد الأوروبي، في انفصال تاريخي قاس، مازالت تداعيات كثيرة تطفو على سطح عدة أصعدة خاصة في مجال النقل واليد العاملة والبنوك وتسجيل المزيد من الآثار الاقتصادية السيئة، يرتقب أن تترتب على الأمدين القريب والمتوسط، بالرغم من أن بريطانيا التي غادرت أكبر تكتل اقتصادي في العالم بإرادتها، عكفت على تعويض الخروج الصعب بإبرام اتفاقيات اقتصادية تشمل التجارة الحرة مع مجموعة من الشركاء التجاريين، على غرار أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية ونيوزيلاندا وفيتنام وسنغافورة، غير أن لندن اعترفت بأن أهم اتفاق ستبرمه سيكون مع الولايات المتحدة الأمريكية.
الخروج في حدّ ذاته كان ضربة موجعة لبروكسل ولدول القارة العجوز المتكتلين اقتصاديا منذ عقود، لأنه لم يعد التكامل النموذجي الرائد، وعلى خلفية أنه أثار العديد من المخاوف حول مستقبل أهم نموذج عل الإطلاق، يضاف إليها التحديات التي تواجهها إيرلندا، فحسب نظرة المتشائمين يمكن أن تحذو هذه الدولة طريق بريطانيا، وهذا من شأنه أن يضاعف من سقف الاستياء الأوروبي الذي يبحث عما يعوضه من خسائر اقتصادية على خلفية أن فقدان الوصول المجاني إلى سوق المملكة المتحدة يتسبب في تسجيل انخفاض بما لا يقل عن 10٪ في الصادرات الأوروبية، أي ما يعادل 33 مليار أورو سنويا، بينما كلفت اقتصاد لندن نسبة تناهز 2٪ من الناتج الداخلي البريطاني.
لعلّ من أبرز الآثار السلبية السريعة، معاناة شديدة لقطاع المال البريطاني وعلى وجه التحديد خسارة حي المال والأعمال «سيتي أوف لندن» من نشاطات عديدة، علما أنه بالمقابل استفادت منها أسواق المال في كل من فرانكفورت وباريس وأمستردام وباريس، لكن يؤمل أن تتوّج الجهود القائمة بإبرام اتفاقيات دقيقة تنهي الجدل القائم في هذا القطاع الحساس، لذا تداعيات ما بعد «بريكست» لا يمكن حصرها، بل ومن المبكر تحديدها بشكل دقيق، مع تزامن هذا الانفصال الاقتصادي المؤلم للجميع مع أزمة صحية وإغلاق اقتصادي إجباري وأزمة كهرباء مكلفة، عصفت بالقارة العجوز خلال فصل الشتاء الحالي، لن ينهيها إلا التغلب على الفيروس وعودة حركية اقتصاد هذه الدول إلى مستويات ما قبل الجائحة الشرسة.