لعلّ التخصّص التّجاري الوحيد الذي يقتضي شهادة جامعيّة عليا، هو «الصّيدلة»، والطلبة الصّيادلة يكدّون ويجتهدون في تخصّصهم، ثم يجدون أنفسهم بطّالين بمقتضى القانون، لأنّ وظيفتهم تخضع لواجب توفير الأدوية للجميع دون استثناء، وبالتالي، يجب على المتخرج من كليّة الصّيدلة أن يصبر حتى يتضاعف تعداد السّكان، ثم يصبر إلى أن يشتغل من سبقوه، لأنّ المسألة متعلقة بطابور طويل، يزداد طوله كلّ عام مع المتخرجين الجدد.
ولا نشكّ مطلقا بأنّ المشرّع إنّما جعل المصلحة العليا للمواطنين فوق كلّ اعتبار، وهذا يعترف به الصّيادلة المتخرّجون أنفسهم، فليس يعقل أن تحظى منطقة دون أخرى بحبّات الشّفاء، والواجب يقتضي توفير صيدليّة لكل عدد معيّن من السكان، وليس يقصد من القانون – بالتأكيد – مسألة «المنافسة» ولا قضية «احتكار» جهة معيّنة لصالح صيدلي بعينه، حرصا على نجاح تجارته، وهو ما يعني أنّ المشرّع حرص على توزيع الصيادلة وفق خارطة تضمن انتشارهم على جميع أنحاء الوطن، بعيدا عن الحسابات التّجاريّة المحضة.
واضح أنّ المشرّع راهن على العدالة في التّوزيع، ولكن رهانه كان معقولا ومفروضا حين كان تعداد الصيادلة محدودا، أمّا وقد صار طابور المتخرّجين يزداد طولا كلّ عام، فينبغي تحيين القانون بشكل جديد، يحفظ للناس حقوقهم في الصّيدلية، ويحمي – في الوقت ذاته – الصّيادلة المتخرجين من براثن البطالة، فيمارسون عملهم الذي تكوّنوا لأجله، عوضا عن تضييع سنوات من الجهد والاجتهاد في الانتظار.
إنّ المسألة بالغة التّعقيد، ولكنّه الأمر الواقع الذي ينبغي التّعامل معه، والحرص على ضمان حقوق الجميع، ولا نشكّ مطلقا بأنّ هناك حلاّ ما، يكفي الصّيادلة المتخرّجين عناء الانتظار في الطابور، ويضمن توزيع الصّيدليات بعدالة..