انتكاسة خطيرة يعرفها الوضع في الساحل الإفريقي، فكلّما لاح ضوء في نهاية النفق، عاد الليل ليرخي سدوله على دول هذه المنطقة التي تجد نفسها غارقة في مشاكل لا نهاية لها، فالأمن مفقود بسبب الجماعات الإرهابية التي تكالبت عليها، والاستقرار السياسي غائب إما نتيجة الصراع المزمن على السلطة أو الانقلابات العسكرية التي تتوالى، أما التنمية والاقتصاد فهما منعدمان تماما بالرغم مما يكتنزه الإقليم من ثروات تذهب للأسف الشديد إلى جيوب المستعمر القديم الجديد الذي يشدّ قبضته على حياة الناس ويدوس على كرامتهم ومستقبلهم غصبا وخبثا في سبيل تحقيق مصالحه وترسيخ نفوذه.
عاد التوتر ليطغى على المشهد في دولة مالي التي تواجه من جهة الإرهاب الذي تمارسه المجموعات الدموية، ومن جهة ثانية تقاوم سطوة فرنسا التي جنّ جنونها هذه الأيّام بعد أن صمّت آذانها صيحات الماليين الذين يطالبونها بالرحيل ويعملون على التخلّص من قيودها التي أدمت أيديهم طيلة ستّة عقود من الاستقلال.
الماليون قرّروا طيّ صفحة فرنسا إلى الأبد، وخرجوا إلى الشوارع في مظاهرات عارمة للتعبير عن رفضهم لهيمنتها ووجودها العسكري الذي لم يحقّق لهم الأمن
والاستقرار بل على العكس تماما، تركهم تحت رحمة الإرهاب الذي استفحل ومدّد جغرافيته في كلّ الاتجاهات، وبات تسلّط المستعمر القديم كشوكة مغروسة في قلب كلّ فرد مالي وحان وقت اقتلاعها.
لكنّ الحقّ المشروع للماليين في التحرّر من فرنسا، رأته هذه الأخيرة نكرانا للجميل، وتطاولا عليها، لهذا من غير المستبعد أن يكون للعداء المتنامي عليها، علاقة بالمشاكل التي تتهاطل على دولة مالي، وبالخصوص العقوبات القاسية التي فرضتها عليها المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا «إيكواس»، فهذه العقوبات تستهدف الماليين لأنّهم قرّروا الطلاق مع فرنسا، وينشدون التعاون والتعامل مع دول أخرى غيرها.
وحتى الهجمات التي استهدفت قاعدة لـ»بارخان» في غاو وأخرى للقوات الأممية «مينوسما»، فهي غير بعيدة عن مخطّط تآمري لاظهار مدى الحاجة إلى تواجد القوات الاجنبية في هذه الدولة.
إن إصرار الماليين على قطع الحبل السري الذي يربطهم بالمستعمر القديم، سوف لن يمرّ بردا وسلاما عليهم، لهذا يتوقّع مزيدا من التردي الأمني والاضطرابات السياسية، التي قد تصل حتى إلى انقلابات عسكرية جديدة مثلما حدث في الجارة بوركينافاسو التي تشهد هي الأخرى انزلاقا سياسيا وأمنيا غير مسبوق.