اعتبر الدكتور رابح زاوي أستاذ العلوم السياسية وخبير في الشؤون الدولية أن «أفرقة الحلول» تعد السبيل الوحيد والأفضل لمعالجة مشاكل القارة السمراء ومواجهة تحدياتها المتعدّدة، وقال في تحليل مستفيض من خلال حوار لـ”الشعب ويكاند” أن هذه الخطوة قادرة على الحدّ من الاستقطاب الخارجي الكبير الذي تعرفه المنطقة.
واغتنم زاوي الفرصة ليدعو الأفارقة إلى التوجّه أكثر نحو توحيد السياسات المتعلقة بمجابهة الأزمات الأمنية التي تهدّد استقرار دول المنطقة، كما يعتقد أن للقارة السمراء أفضلية كبيرة لتحقيق أهدافها الكبرى انطلاقا من امتلاكها لمنظمة الإتحاد الإفريقي بمؤسساته، ويضاف إلى كل ذلك تجربة الدول الرائدة في مجال مكافحة الإرهاب، على غرار الجزائر التي بإمكانها أن تقود القاطرة، بالنظر إلى تجربتها الطويلة في مكافحة الإرهاب.
“الشعب ويكاند”: تواجه القارة السمراء تحديات أمنية جدية تهدّد استقرارها مع استمرار تمدّد نشاطات التنظيمات الإرهابية من خطف وجريمة منظمة واتجار بالبشر، كيف يمكن مواجهتها؟
د.رابح زاوي: في حقيقة الأمر تعاني القارة الإفريقية من متلازمة الأمن / التنمية، وهما تقريبا أكثر التحديات التي تؤثر بشكل كبير جدا على تنمية القارة ورفاهية شعوبها، حيث مازالت القارة الإفريقية ودولها تتذيل ترتيب الدول في مجالات الاقتصاد، التعليم والتكنولوجيا، وحتى ارتفاع معدلات الأمية
والفقر والأمراض أيضا، بالإضافة إلى ذلك زيادة حدة الأزمات الأمنية التي تعرفها القارة الإفريقية. كما يلاحظ أيضا عرفت الفترة الأخيرة تشابكا كبيرا بين العمل الإرهابي من جهة والجريمة المنظمة من جهة أخرى، ما جعل التهديدات الأمنية تنتقل من النمط التماثلي إلى اللاتماثلي، وهو الأمر الذي صعّب مهمة الدول الإفريقية في الحدّ منها لأنها تهديدات عابرة للحدود ولا تعترف بسيادة الدول، ولنا في نموذج الجريمة المنظمة والإتجار بالبشر في القارة الإفريقية أحسن نموذج.
إننا هنا نتحدث عن تحوّل كبير في طبيعة التهديدات بشكل يتطلب من الدول الإفريقية تبني استراتيجيات موحدة للحدّ منها ومجابهتها، خاصة عندما يتعلّق الأمر بالتهديدات التي تؤثر على التنمية والأمن فيها. وينبغي أن تكون البداية من تجفيف المنابع المالية لتلك التنظيمات، مرورا بتجريم دفع الفدية لصالح تلك التنظيمات الإرهابية، وصولا إلى تنسيق جهود الإستخبارات والمعلومات بين الدول الإفريقية.
– بعد سنة من مجيء بايدن الذي حمل خطابه نبذ العنف وعزيمة إسكات صوت الحروب، ماذا يمكن أن يقدمه لأفريقيا، بمعنى ماذا تحمل أجندته؟
— منذ وصول جو بايدن إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، حاول تبني مقاربة جيدة مختلفة عن سابقه دونالد ترامب تجاه القارة الإفريقية، حيث قام وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، بجولة شملت كلاً من كينيا ونيجيريا والسنغال خلال الفترة (17- 20) نوفمبر 2021، وتعد أول زيارة لمسؤول أمريكي رفيع المستوى إلى القارة السمراء.
وبشكل عام تتصدّر جملة من القضايا اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية، تأتي في مقدمتها الأزمتين الإثيوبية والسودانية نظراً لما تمثله الدولتان من أهمية إستراتيجية للسياسة الأمريكية في منطقة شرق أفريقيا من جانب، وما تفرضه الأزمتان من تداعيات سلبية على أمن واستقرار المنطقة بشكل يهدّد المصالح الإستراتيجية الأمريكية من جانب آخر.
كما تركز السياسة الأمريكية الحالية على مسألة ترسيخ الديمقراطية وملف حقوق الإنسان، حيث سبق و أن أكد الرئيس بايدن على أن تعزيز الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان يُمثلان محور اهتمام السياسة الخارجية الأمريكية، ولو أن هناك توجّه عالمي إلى أن دول العالم قد شهدت خلال العقد الماضي ما يمكن أن نطلق عليه بـ»ركود ديمقراطي»، بما في ذلك البلدان الديمقراطية نظراً لما تواجهه من ضغوط تتصاعد مع اقتراب موعد الانتخابات.
كما يبرز ملف التنافس الاقتصادي الكبير مع الصين كأحد أهم الملفات التي تحاول الإدارة الأمريكية الجديدة إدارتها، حيث إن الصين وباستثماراتها الكبيرة في القارة الإفريقية فإنها تقدّم نفسها كنموذج اقتصادي بارز في مقابل النموذج الأمريكي، وهنا تحاول الولايات المتحدة الرهان على دول معينة على غرار نيجيريا، كينيا والسنغال، ولكل من هذه الدول الثلاث مكانة في الإستراتيجية الأمريكية اتجاه القارة الإفريقية.
-مازالت منطقة الساحل غير آمنة محاصرة بالأطماع والإرهاب، هل تعتقد أن الحلول لن تكون إلا إفريقية لوقف التهديدات الإرهابية واستئصالها؟
شخصيا أؤمن بفكرة «أفرقة الحلول» لأنها السبيل الأفضل لمعالجة مشاكل المنطقة، والحدّ من الاستقطاب الخارجي الكبير الذي تعرفه، وبناء عليه من الأفضل للدول الإفريقية التوجّه أكثر نحو توحيد السياسات المتعلقة بمجابهة الأزمات الأمنية التي تعرفها، ولها أفضلية في ذلك انطلاقا من امتلاكها لمنظمة الإتحاد الإفريقي بمؤسساته، وكذا تجربة الدول الرائدة فيها، على غرار الجزائر التي بإمكانها أن تقود القاطرة، بالنظر إلى تجربتها الطويلة في مكافحة الإرهاب وكذا مختلف المبادرات التي سبق وأن طرحتها ونالت استحسان الدول الإفريقية على غرار تجريم دفع الفدية. وبالتالي ما ينقص هو تفعيل المقاربات الموجودة لمعالجة الظاهرة وفق رؤية افريقية خالصة.
هل تعتقد أن الانسحاب العسكري الفرنسي سيفتح أبواب لاشتعال صراع قوى خارجية طمعا في النفوذ للاستيلاء على ثروات المنطقة؟
— التجارب السابقة دائما ما تحيلنا إلى نماذج مشابهة، على غرار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وغيره من النماذج كثير، حيث أنها عادة ما تتمّ بعد سحق كامل للقدرات العسكرية لتلك الدول وعدم تجهيزها بشكل كاف للمراحل الانتقالية، والنتيجة هي صراعات داخلية وحروب أهلية داخلية طاحنة وضحايا وتفتيت للبنى التحتية وخسائر على جميع الأصعدة.
وفي القارة الإفريقية الأمر لا يختلف إطلاقا، حيث إن الانسحاب الفرنسي أكيد أنه سوف يفتح الأبواب لإشعال صراع قوى خارجية طامعة بكل تأكيد في خيرات القارة الإفريقية، والبداية كانت مع تواجد المرتزقة، وقوات أجنبية أخرى.
جميع الدول تثني على اتفاق الجزائر لإرساء مسار المصالحة مالي، ما الدور الذي يمكن أن تقوم به أكبر دولة في أفريقيا لإزالة تعقيدات السياق الأمني؟
— اتفاق الجزائر يشكّل أرضية صلبة يمكن البناء عليها في أي مرحلة مقبلة لعدة اعتبارات، أهمها هو موقع ومكانة الجزائر في المنطقة، كون الجزائر ينظر إليها على أنها لاعب أساسي ولا يمكن تجاوزه بسهولة، ثانيا من المهم الإشارة إلى أن الاتفاق جاء كنتيجة لجهود طويلة من الجزائر وهو اتفاق يضمن حقوق الماليين ولا شيء أكثر من ذلك، وأخيرا وهو الاعتبار الأهم حسب تقديرنا، الاتفاق يؤسس لمرحلة جديدة في مالي ولمعالجة الأزمة فيها، وهو مبني كذلك على رؤية متبصرة للموقف الجزائري القائم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. لذا بإمكان مالي الاعتماد على الجزائر وهي تدرك جيدا أنها تشكّل عمقا استراتيجيا هاما بالنسبة لها، لهذا أعتقد أن التعاون بين الطرفين وفق مقاربة تعاونية متكافئة بإمكانها التأسيس لمرحلة جديدة في المنطقة.
-كيف يمكن للاتحاد الإفريقي أن يساهم في تكريس الأمن الإقليمي المنشود للقارة المتعطّشة للتنمية الاقتصادية؟
أول خطوة في سبيل تكريس الأمن الإقليمي هو التخلّص من التدخل الخارجي وفي مقدمتها فرنساوفكرها الإستعماري، وثانيا التوجه رويدا نحو تعزيز الشراكات الإفريقية ـ الإفريقية بما يضمن مصالح القارة الإفريقية وبما يعزّز أمنها، أما بالنسبة للتنمية الإقتصادية فيمكن للقوى الصاعدة في صورة تركيا والصين أن تقدّم بدائل حقيقية بعيدا عن الشركاء التقليديين وفكرهم الإستغلالي، والتوجّه شيئا فشيئا نحو شراكات قوامها الاستفادة المتبادلة.