استؤنفت الاتصالات السياسية بين الجزائر وفرنسا، بعد واحدة من أسوأ الأزمات الدبلوماسية بين البلدين تسبب فيها الرئيس إيمانويل ماكرون. ومن الواضح أن بعث المشاورات من جديد، لن يتم بالسلاسة أو الطريقة التي يأملها الجانب الفرنسي الذي لا يتوقف عن إحداث مزيد من الأضرار.
تكرر فرنسا منذ نوفمبر الماضي، رغبتها في إعادة بعث العلاقات مع الجزائر على أسس “التهدئة” و”الثقة المتبادلة” و”احترام سيادة كل بلد”، غير أن الوقائع المتتالية تثبت أن مشكلة باريس مع نفسها أولا، ومع الرئيس إيمانويل ماكرون تحديدا الذي أثبت مدى محدوديته في إدارة ملف كبير بحجم الماضي الفرنسي المشين في الجزائر.
لا يمكن لفرنسا، أن تضمن هدوء العلاقات وهي مصدر كل الفوضى والضوضاء، حيث أطلقت العنان لكل الأطياف اليمينية واليمينية المتطرفة، لاستغلال كل ما هو جزائري في التحضير للانتخابات الرئاسية ومحاولة بناء مواقف مستجدة ومعادية للجالية الجزائرية.
لقد بلغت فوضى التصريحات المسيئة للجزائر أعلى رأس هرم الدولة الفرنسية، فمهما حصل لن يستطيع الرئيس الفرنسي، أن يمحو خطيئته الكبرى، عندما إدلائه بتلك التصريحات المسيئة بحق الأمة الجزائرية، معتمدا أسلوبا مبتذلا في تسريبها عبر صفحات جريدة فرنسية.
سقطة ماكرون، التي تسببت في استدعاء السفير الجزائري، في 02 أكتوبر 2021 للتشاور، أكدت أنه الخاسر الأكبر من كل ما حصل وسيحصل مستقبلا، وأنه من يستثمر في ريع الذاكرة، للاستمرار في الحكم.
فقد وضع النظام الفرنسي بأكمله في حرج، وجلب لنفسه الكثير من الأوصاف والنعوت “كالجاهل بالتاريخ” وصاحب التصريحات التي لا تليق بمقام رئيس الدولة” “والتلميذ الذي لا يفقه شيئا في التاريخ..” وغيرها.
وبعدما تكفل وزير الخارجية جون إيف لودريان، بمحاولة ترميم القدر الممكن من الانكسارات التي تسبب فيها لصورة فرنسا، تستعد باريس لمشاورات سياسية ثم انعقاد اللجنة العليا الاستراتيجية بين حكومتي البلدين.
لكن عودة الاتصالات، في الأسابيع الأخيرة، لا تعني بالضرورة شيئا على صعيد تحسين العلاقات، فقد انكشف أن حجم “النفاق” السياسي للرئيس ماكرون، والذي حاول وهو الذي لا يملك أيه علاقة مباشرة أو غير مباشرة مع الاستعمار الفرنسي للجزائر، أن يحقق ما عجز عنه سابقوه طيلة 60 سنة.
أراد ماكرون، أن يحصل على شيء كبير جدا، لا يقدر هو شخصيا على استيعابه، دون أن يقدم شيئا، لقد حاول تحقيق ما أسماه “مصالحة الذاكرات” “وكتابة مشتركة لتاريخ الثورة الجزائرية” التي يسميها “حرب الجزائر”، ثم أخيرا يريد تقاسم المسؤوليات ذاتها وتجلى ذلك في تصريحاته الأخيرة عن “أحداث وهران”.
هكذا، بهذه السهولة، كان يريد ماكرون، أن يخلص فرنسا من ماضيها المشين، ثم يتفرغ لاستكمال صورته كبطل قومي أمام الحركى واليمينيين المتطرفين. لكنه فشل. نعم، فشل الرئيس الشاب، لأنه اكتشف أن جبالا لا تنتهي من الجماجم التي تركتها أو سرقتها بلاده حالت بينه وبين مشروعه.
كان على الرئيس الفرنسي، أن يحاول بصدق وأن يتحلى بالشجاعة اللازمة، للمضي قدما في ملف الذاكرة، لا أن يسبح طيلة هذه السنوات في سراب وهو غير قادر على الخلاص من قوة اللوبي اليميني والذي انحاز إليه بشكل كامل مقدما خدمات تاريخية للحركى قبل أسابيع عن موعد الرئاسيات.
الآن، وبما أنه اختار تمجيد الاستعمار، للمرور إلى عهدة ثانية، فقد يستمر كرئيس للأقدام السوداء والحركى واليمنيين. رئيس ينحسر نفوذه السياسي كما ينحسر حاليا نفوذ بلاده في مالي وبوركينافسو وإفريقيا الوسطى ومناطق واسعة أخرى بسبب الخيارات الخاطئة، وسيكون من الصعب عليه أن يجد من يستمع إليه بتمعن في المستقبل القريب.