يحرص كثير من المشتغلين بـ «التجارة» عبر العالم المهيمن، على تجاوز حالة الرّكود التي وجدوا فيها أنفسهم بسبب الجائحة، وذلك من خلال ابتكار وسائل جديدة، تسهّل حركيّة نشاطهم، وتسمح لهم بالحفاظ على زبائنهم، بل تتيح لهم توسيع دائرة «الزّبائن الأوفياء»، وضمان مردودية أكبر لأعمالهم.
ولا يختلف الأمر بالنّسبة للمشتغلين بـ «التّجارة» عندنا، فهم يعيشون «نكبة» حقيقيّة تضطرّ كثيرين إلى «توقيف نشاطهم»، غير أنّ السبب المباشر عندنا لا علاقة له بـ «الجائحة»، وإنّما هو بسبب (قلّة الشي)، وتراجع القدرة الشّرائية، وأشياء أخرى قد يكون بينها نوع من البيروقراطية رديء، وشيء من «الحقرة» أصيل، إضافة إلى بعض من توابل «التعنّت» و»العنجهيّة» التي تمكّنت من الدّماغ، ومنعت عنه الرّؤية الواضحة.
أمّا الفارق الأصلي بين تجارهم وتجارنا، فهو أنّ تجارهم يناورون مع «الأزمات» بـ «الابتكار»، بينما يلجأ تجارنا إلى الحلّ النهائي، ويتخلّصون من أعباء النّشاط، ذلك لأنّ المسألة في ثنايا الغضروف المهيمن على التفكير عندنا، لا علاقة لها بما يسمّى «الخدمة العمومية»، ولا بـ «الوفاء» للزّبائن الأوفياء، وإنّما هي حسابات دقيقة لتحقيق «الرّبح»، ومحاولات يائسة لتجاوز المثبّطات البيروقراطية، خاصة وأن الإدارة لا تهدف في وجودها إلا إلى تحقيق أرقام قياسية في «المخالفات»، ولا تفرح فرحتها العظمى إلا حين تحرّر مخالفة ثقيلة في حقّ تاجر، دون أن تقدّر ظروفه أو ترأف لحاله.
الوضع عندنا معقّد إذن، وهو يحتاج إلى بعض التريّث في اتّخاذ القرارات، وتطبيق الإجراءات، تماما مثلما يحتاج إلى استعادة روح التّجارة وأخلاقياتها، لتكون «خدمة عمومية» حقيقية، وليس مجرّد (تبزنيس) بسيط يتلاشى مع تلاشي أسبابه، وليرحم الله أياما كان التّاجر الجزائري يبكي بحرارة حين ترتفع الأسعار، خوفا من تضرّر زبائنه، فقد خلفه تاجرٌ يحتكر السّلعة متعمّدا، أملا في الانتفاع بدنانير معدودة..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.