علقت قمة الاتحاد الإفريقي، قرار رئيس مفوضية الهيئة موسى فكي، منح الاحتلال الإسرائيلي صفة مراقب. وجاء ذلك تتويجا لجهود الدبلوماسية الجزائرية وعدد من دول القارة التي ترفض منح “مكافأة غير مستحقة” للصهاينة.
أغلقت القمة الـ 35 للاتحاد الإفريقي التي عقدت يومي السبت والأحد، بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، الباب في وجه الاحتلال الإسرائيلي، بعدما استطاع وضع قدمه الصيف الماضي، على عتبة الدخول وتحقيق الاختراق الكبير، الذي خطط له لأزيد من عقدين.
وفي 22 جويلية 2021، منح رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، التشادي موسى فكي، الاعتماد لسفير الكيان الصهيوني، كعضو مراقب في الاتحاد. وبرر القرار بعد إدانته الجزائر وعدد من الدول العربية، بأنه “يدخل ضمن صلاحياته الإدارية”.
وبحسب مراقبين، استغل فكي الغموض الذي يكتنف المادة التاسعة من الجزء المتعلق بمعايير منح صفة مراقب في لوائح الإتحاد الإفريقي والتي تنص في إحدى فقراتها على أنه “يحق لرئيس المفوضية في مهامه التنفيذية منح الصفة إذا رأى أنها لا تتعارض ورغبة الأغلبية التلقائية”.
في وقت تنص الفقرة الخامسة على “أن يتخذ الإتحاد الإفريقي قرار منح صفة مراقب للدول بالإجماع أو في حال فشل ذلك بأغلبية ثلثي الدول الأعضاء الذين يتمتعون بحق التصويت”.
واستغل فكي الصياغة غير الدقيقة للفقرة التي تعطيه الصلاحية الإدارية، دون الرجوع إلى التشاور لمعرفة ما إذا كانت هناك أغلبية موافقة أو معترضة، ما يعني أنه استند إلى تقديره الشخصي، متعديا بذلك على الإرث التأسيسي للإتحاد الذي أنشأ على أساس كونه “منظمة للوحدة الإفريقية”، ولا يقرر في مسألة الأغلبية أو الإجماع دبلوماسي مكلف بمهمة لعهدة لا تتجاوز 4 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.
خطأ مزدوج
ووفق الأصداء الأولية القادمة من أديس أبابا، عرفت الفترة المسائية ليوم السبت حتى ليلة الأحد، معركة دبلوماسية شرسة، لتصحيح ما اقترفه فكي وبعض الدول القليلة المطبعة، بحق الإتحاد الإفريقي.
وتصدرت الجزائر وجنوب إفريقيا ومعهما 20 دولة، مقدمة إحباط محاولة اختراق الكيان الصهيوني لواحدة من أعتى معاقل مناهضة الاستعمار والفصل العنصري واستغلال الإنسان للإنسان.
وصباح اليوم، حسمت المسألة بتعليق قرار منح صفة مراقب، لتتأكد جسامة الخطأ الذي ارتكبه موسى فكي، ما يضع مسؤوليته ومصداقيته أمام قمة الإتحاد (باعتباره أعلى سلطة) وأمام الأفارقة عموما، على المحك.
والجمعة، قال وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج رمطان لعمامرة، في حوار لإذاعة فرنسا الدولية إن القرار المتخذ الصيف الماضي “كان خطأ مزدوجا”.
وقال: ” الخطأ الأول، منح صفة مراقب دون إجراء مشاورات مع الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي بما فيها الجزائر. القرار كان سيئا وكان من المفروض أن لا يتخذ”، والثاني ” ملاحظة أن هناك انقساما بين الدول الأعضاء (في الاتحاد الإفريقي) بشأن هذه المسألة وتركها من دون تصحيح”.
وأكد لعمامرة أنه “لو جرت مشاورات مسبقة بشأن ذلك لم يكن القرار ليتخذ دون شك”. وينبغي أن يفهم من كلامه أن أحد ما عبث بقاعدة أساسية من مواثيق الاتحاد الإفريقي وهي “التشاور”، ثم تشبث بالدفاع عن العبث، رغم حجم الانقسام غير المسبوق الذي وضع المنظمة القارية أمام امتحان صعب للغاية.
المعركة متواصلة
تعليق إعطاء صفة مراقب للكيان الصهيوني، أرفق بتشكيل لجنة رفعية تضم 7 رؤساء هم: رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، رئيس نيجيريا محمد بوخاري، رئيس السنغال ماكي صال (الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي)، رئيس الكاميرون بول بيا، رئيس رواندا بول بيا ورئيس الكونغو الديمقراطية فليكس تشيسكيدي.
وستقوم اللجنة بمبادرة من الرئيس السنغال، بتقديم توصية لقمة الإتحاد بشأن هذه القضية الخطيرة، التي كانت كادت أن تعصف بالعمل الإفريقي المشترك وتنهي 60 سنة من الالتفاف والتضامن القاري.
وتشكيل لجنة بهذا المستوى، تعني أن الاحتلال الإسرائيلي مزال خلف الباب التي أوصدت في وجه، مصدوما وخائبا، وهو الذي هلل الصيف الماضي لقرار موسى فاكي واعتبره “انتصار كبيرا” و”تاريخيا”.
كما تؤكد أيضا، أن رئيس مفوضية الإتحاد الإفريقي الحالي، ليس أهلا للاضطلاع بالمسائل الحساسة والجادة التي تهم الشعوب الإفريقية، خاصة بعد ثبوت إدارته للمنصب والصلاحيات المخولة له بانحياز فاضح.
ولابد أن تواصل الدول المعترضة على تطفل هذا الكيان، بنفس العزيمة في الجولات المقبلة من المناورات التي يطمع من ورائها إعادته من النافذة، وستوظف ربما ولأول مرة مصالح جيواستراتيجية في حسم المسألة نهائيا، حيث يتوقع أن يستحضر التاريخ والمصير المشترك لدول القارة أمام إغراءات الأموال وبعض الأسلحة الإلكترونية التي تستخدم للتجسس (برنامج بيغاسوس)، وحينها سيشعر كثيرون بالحرج والنقيصة أمام إرث الآباء المؤسسين لمنظمة الوحدة الإفريقية (سابقا).