قلنا غير مرّة إنّ تدهور «المقروئية» ببلادنا، يعود – صراحة – إلى المنهج المتّبع في التّعامل مع جميع أشكال الثّقافة، وأوضحنا أنّ السّبب المباشر لكساد سوق الكتاب، إنّما هو عدم تثمين دور القارئ في الحياة، فالمواطن الذي يعلم علم اليقين أنّ رفاه معيشته يعتمد على (المعريفة) و(وفرة السّيولة)، لا يمكن أن يستثمر وقته في «القراءة»، لأنّها – في كلّ الأحوال – لا تضيف شيئا مهمّا إلى حياته، وهو بدونها يستطيع أن يتبوّأ المقامات التي يرغب فيها، لأنّ المنهج السّاري المفعول، لا يفكّر مطلقا في «المستوى» ولا في «الكفاءة» ولا في «المعرفة».
أمّا تعليق التدهور على الوضع الاقتصادي، فهو ما يمكن أن نصفه بـ «التّهرّب» أو «المراوغة»، تجنّبا للقول إنّ المعلّقين لا يكادون يفقهون قولا في المادة، وأنّ الإشكالية مغلقة أمامهم، وأنّهم يقولون أيّ كلام لا نفع فيه؛ ذلك أنّ الكتب متوفّرة في المكتبات العمومية والخاصة بالمجان، إضافة إلى ملايين الكتب الرّقمية التي لا يخلو منها موقع، وهي مجانية خالصة لا تستدعي حقوق تأليف، ولا مصروفا يزيد على ثمن اشتراك أنترنيت، ومع هذا، لا تجد من يصرف عليها ربع ساعة في اليوم، مقارنة بما يضيع من وقت على ممارسة جميع أنواع التّنمّر على خلائق الله..
إنّ أوّل خطوة لتفكيك مشكلة، هي الإحساس بأنّها مشكلة فعلا، ثم فهمها واستيعاب تفاصيلها، ثم التّفكير جدّيا في أسبابها ودوافع رسوخها، ثم اقتراح ما يكون حلاّ فعليا لها، وهذا لا نراه يحدث مع مشكلة «المقروئية»، وإنّما نسمع كلاما جميلا عن ضرورة الرّقي بها، والحرص على سلامتها، حتى إذا جاء وقت الحديث عن الحلول، لا نرى سوى الإجراءات الكلاسيكية التي (لم تقتل ذبابة)؛ لأنّ حلّ مشكلة المقروئية، هو نفسه، يحتاج إلى قراءة..
© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.