بالرغم من رغبتهم القوية في زيارة أرض الوطن، إلا أن الكثير منهم يصطدمون بارتفاع أسعار تذاكر الرحلات الجوية والبحرية، ليجدوا أنفسهم في حيرة كبيرة، تنتهي بمعظمهم إلى قبول شرائها لرؤية الأهل والأقارب أو الوقوف على مصالحهم الاقتصادية التي تركوها وراءهم في الجزائر.
7ملايين جزائري يمثلون الجالية الجزائرية المتواجدة في الخارج، يمكن إعطاؤها الفرصة للمساهمة في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني ومد أواصر وجسور التواصل بين جيل لا يعرف عن الجزائر سوى ما يرويه عنها الآباء أو الأجداد، سيكون من الصعب إقناعهم بالعودة إلى وطنهم الأم بأسعار باهظة ومكلفة.
يلمس المتصفح لمختلف صفحات مواقع التواصل الاجتماعي للجالية الجزائرية المتواجدة عبر مختلف دول العالم، إحباطا كبيرا بسبب ارتفاع أسعار تذاكر الرحلات الجوية والبحرية، التي طالما أثقلت كاهل أبناء الجالية، بل طال انتظارهم لتحقيق مطلبهم في فتح باب المنافسة في قطاع النقل الجوي والبحري، ما جعلهم يستبشرون خيرا بعد إعلان وزارة النقل عن منح تراخيص لـ26 خاصا للاستثمار في هذا المجال، وفي انتظار تفعيلها على أرض الميدان يبقى المغترب بين مطرقة الشوق إلى أرض الوطن وسندان تذكرة باهظة الثمن.
أسعار غير معقولة
عبر الإعلامي المختص في الجالية والبرلماني السابق سمير شعابنة، في اتصال مع «الشعب»، عن امتعاضه من أسعار الرحلات الجوية التي تحولت الى عبء ثقيل على أفراد الجالية الوطنية المتواجدة بالخارج الراغبة في القدوم الى أرض الوطن، متسائلا عن سبب التعامل بازدواجية من طرف بعض شركات الطيران التي تميز الجزائريين المتوجهين الى الجزائر بأسعار مرتفعة مقارنة بأسعار وجهات بلدان قريبة أو مجاورة لها، مؤكدا ان الموضوع أسال الكثير من الحبر بعد رفع تعليق الرحلات الجوية جوان الماضي، بل كان سببا في جدال كبير أدى بالوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن إلى تشكيل لجنة وفتح تحقيق لمعرفة أسباب هذه الارتفاع في سبتمبر من العام المنصرم، لكن الى اليوم لم يتم الإفراج بعد عن نتائجها.
ووصف المتحدث أسعار الرحلات الجوية بغير المعقولة وغير المنطقية، مقارنة بما نراه عند بعض شركات الطيران الأجنبية، حيث تتعامل بأسعار معقولة جدا في متناول المسافرين، مستغربا في الوقت نفسه تضاعفه الى الضعف أو ثلاثة أضعاف عند تعاملها مع الزبون الجزائري المتجه الى بلده، وهو ما أثار الكثير من التساؤلات. فشركة الطيران «فيلينغ» تحدد سعر الرحلة الى السنيغال بـ200 أورو، بينما سعر الرحلة الى الجزائر بـ600 أو 700 أورو، وهو ما يثير الكثير من التساؤلات.
تدخّل الدولة لتنظيم السوق
دعا شعابنة في حديثه إلى «الشعب»، إلى تدخل الدولة من اجل تنظيم السوق بسبب الفوضى الكبيرة السائدة داخله، لأن المتضرر الأول منها هم أبناء الجالية الوطنية وحتى المواطنون، بالإضافة الى الاقتصاد الوطني، لأن غلاء أسعار التذاكر تقف أمام زيارة أبناء الجالية لأرض الوطن، لأن المغترب عند زيارته للجزائر يترك وراءه 1000 أورو على الأقل بعد عودته إلى ديار الغربة، فهو يأكل في المطاعم، يستعمل سيارات الأجرة، يحجز في الفنادق والمنتجعات السياحية، يزور المتاحف ويقتني بعض السلع التقليدية من محلات بيع الهدايا، ما اعتبرها حركية اقتصادية تصب في مصلحة الجزائر.
وذكّر شعابنة بأهمية خفض سعر تذاكر الرحلات الجوية لصالح أبناء الجالية الوطنية في الخارج، لمساهمته في بناء جسور التواصل بين الجيل الثالث والرابع للمغتربين الجزائريين والوطن الأم، فالأسعار المرتفعة تجعل الزيارات مقتصرة على كبار السن فقط، لأنهم يدفعون سعر التذكرة مهما كان سعرها فقط لزيارة أهلهم وأقاربهم المتواجدين في أرض الوطن، فيضحون بإبقاء أبنائهم في بلد الغربة لعدم قدرتهم على دفع ثمن التذاكر. ولاحظ ان ارتفاع الأسعار لا يؤرق الجالية الوطنية المتواجدة في الخارج فقط، بل حتى المواطنين في داخل الوطن الراغبين في السفر، فقد وصل سعر التذكرة الى اسطنبول إلى 200 أو 240 ألف دينار، أما دبي فـ150 ألف دينار ما يساوي تقريبا 1000 أورو.
أما عن إعلان وزير النقل، الأسبوع الماضي، منح 15 رخصة للخواص من أجل استغلال النقل الجوي و11 رخصة للنقل البحري للمسافرين والبضائع، قال شعابنة إن الأمر يحتاج إلى وقت حتى تنطلق في استغلالها، لأن الشركة هي على الأقل بحاجة إلى 10 طائرات، بالإضافة إلى ضرورة احترامها لشروط مفروضة من طرف الدول التي ستتعامل معها مستقبلا، لذلك لن تكون المهمة بتلك السهولة.
فيما يرى أن أهم خطوة يجب اتخاذها الآن من طرف الدولة هي تنظيم السوق، لأن ارتفاع سعر التذاكر ليس مرتبطا بعدد الطائرات، فحتى الخطوط البحرية تعاني نفس المشكل. وقال إنه يتلقى مئات المكالمات يوميا من أفراد الجالية يشتكون غلاء أسعار التذاكر، المرغمين على تدفع ثمنها لدخول أرض الوطن.
ولاحظ ان البعض يتحجج بتزايد التوافد على الرحلات الجوية، لكنهم يتناسون ان إقبالهم ذلك يعني أبدا تقبّلهم أو قبولهم غلاء التذاكر، لأن الكثير منهم مضطر الى السفر بسبب ارتباطات عائلية أو قانونية او اقتصادية، متسائلا من جهة أخرى عن سبب التمييز في التعامل مع الجالية الجزائرية مقارنة مع الجاليات الأخرى، معتبرا في نفس الوقت تحديد سعر تذكرة بـ800 أورو من باريس إلى الجزائر عملية نصب واحتيال على المغتربين.
تحريك العجلة الاقتصادية
وشدّد على ضرورة التفكير بكل جدية وعقلانية في مدى الفائدة التي يقدمها 7 ملايين جزائري متواجد بالخارج للاقتصاد الوطني، حتى وإن لم نتكلم عن الكفاءات وتحويل أموال، يجب أن نعلم ان عددهم يساوي عدد سكان خمس أو ست دول من دول الخليج مجتمعة، لذلك يجب استغلالها بعقلانية وهو ما يفرض وضع أسعار في متناولهم من أجل أن يساهموا بفعالية في الاقتصاد الوطني.
بعملية حسابية بسيطة، نجد أن مليون سائح من الجالية المتواجدة في الخارج يدفع 1000 أورو في مختلف الخدمات وتنقلاته داخل الجزائر، ما سينعكس إيجابا على المطاعم، المتنزهات السياحية، محلات بيع الهدايا، دون إغفال مد أواصر الأخوة بين المجتمع وأفراده المغتربين والارتباط بالجزائر، لذلك لابد من نظرة مستقبلية ومنطقية في التعامل مع الجالية الجزائرية، لتبقى الأجيال الجديدة مرتبطة بالوطن الأم.
في ذات السياق، ذكّر شعابنة أنه راهن على إقبال كبير يحطم الرقم القياسي لعدد الوافدين على الجزائر في الصائفة الماضية، بعد رفع تعليق الرحلات الجوية بسبب الأزمة الصحية، لكن رفع الأسعار حال دون ذلك، مؤكد ان كل المعطيات والمؤشرات توحي بضرورة إطلاق قطاع السياحة، نظرا للمميزات الجغرافية والتاريخية والثقافية لبلد قارة مثل الجزائر، لذلك يعتبر ارتفاع سعر التذاكر منفرا للراغبين في زيارتها وحجر عثرة أمام إنعاش قطاع السياحة. ونفس الشيء بالنسبة للسياحة الداخلية، فارتفاع الأسعار منع الجزائري من التعرف على المناطق الرائعة الموجودة في بلده، بل فرض عليه التوجه الى بلدان تقدم خدماتها السياحية بسعر أقل.
وأصر شعابنة على ضرورة تدخل المسؤولين لوقف هذه الفوضى، لأنهم من يملكون سلطة القرار والقدرة على التفاوض وفرض شروط معينة، فكيف لشركة هي وحيدة في السوق، الطلب عليها أكبر من العرض، أن تحدد سعر التذكرة بـ800 أورو، وفي كل مرة تطلب من الدولة ضخ الملايير في حسابها، يجب أخذ ما تقدمه الجالية الوطنية الى الجزائر سياسيا، اجتماعيا، اقتصاديا، وكل ما يصب في مصلحة الجزائر بعين الاعتبار، خاصة وان الدستور يكفل لهم حقوقهم، بل يساويها بحق كل الجزائريين المتواجدين بأرض الوطن.
لجنة تحقيق
أعلن الوزير الأول وزير المالية أيمن بن عبد الرحمن، في نوفمبر الماضي، فتح تحقيق حول ارتفاع أسعار تذاكر الرحلات الجوية بين الجزائر وفرنسا، حيث اعتبر حينها سعر 750 أورو للتذكرة الواحدة مبالغا فيه. وجاء قراره في إطار رده على سؤال وجهه إليه سفير الجزائر لدى فرنسا عنتر داود، خلال مناقشات اليوم الثاني من مؤتمر رؤساء الدبلوماسيات والقنصليات الجزائرية، حيث أكد أن أسعار تذاكر السفر «مرتفعة جدا» وليست في متناول الأفراد والعائلات من الجالية الوطنية في الخارج. فيما أعلن في الوقت نفسه، تنصيب لجنة تقنية للتحقيق للقيام بهذه المهمة، وجاءت هذه الخطوة أيضا كرد فعل على مطالب منظمات الجالية الوطنية في الخارج بمراجعة الأسعار وإعادة النظر فيها وتسقيفها حتى تصبح في متناول الجميع.
في سياق ذي صلة، كشف وزير النقل عيسى بكاي، الأسبوع الماضي، عن منح 15 رخصة للخواص من أجل استغلال النقل الجوي و11 رخصة للنقل البحري للمسافرين والبضائع، من أجل خلق تنافسية تساهم في خفض أسعار التذاكر للرحلات الجوية والبحرية.