أصبح جليا أن وسائل السمعي البصري العمومية بفرنسا لم تطوي بعد ملف العشرية السوداء.
لا يزال الحقد ضد الجزائر وشعبها ومؤسساتها الشرعية يرمي بثقله في وسائل الاعلام العمومية الفرنسية.
عمل خيالي، ليس الوحيد من نوعه، أنتجته القناة الفرنسية-الألمانية “آرتي” (ARTE) عن العشرية السوداء لإعادة أسطوانة وأطروحة “من يقتل من؟”، يؤكد مرة أخرى أن مثل وسائل الاعلام لا ترى الجزائر، إلا بعيون تحب زرع الفتنة والفوضى.
وسائل الإعلام الفرنسية، التي بسطت السجاد الأحمر للجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة، وهو حزب مسؤول عن وفاة ما يزيد عن 200 ألف شخص، تثبت أن أطروحة “من يقتل من؟” لا تزال مستمرة بقوة في وسائل إعلام الخدمة العمومية الفرنسية.
يبدو ان وسائل السمعي البصري العمومي في فرنسا التي تدعم منظمة ارهابية في الجزائر (حركة رشاد) لا تتبنى نفس التفكير لفرنسا الرسمية المنخرطة في حرب ضد الارهاب بمنطقة الساحل، ما يوحي بوجود رغبة فرنسية، ومحاولة توفير الظروف للفوضى في الجزائر، وهي فوضى لا يريد الجزائريون عيشها مجددا، ولا حتى الغوص فيها، لأهم متمسكون باستقرار وطنهم، وبحماية الجيش الوطني الشعبي الباسل وبالحرية التي يكفلها ويصونها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون.
ما وراء مسلسل “الجزائر سري”
تنفرد القناة الفرنسية الألمانية آرتي من جديد بإنتاج مسلسل قصير مثير للجدل يحمل اسم “الجزائر سري” أو”Alger Confidentiel”، من سيناريو عبد الرؤوف دفري (وحسب رواية “الرحمة لأسلحتهم” للمؤلف أوليفر بوتيني).
وخصص القطبان الفرنسي والألماني اللذان يشكلان قناة آرتي وقناة “زاد دي آف” (ZDF) العمومية (المساهمة في آرتي)، 5 ملايين أورو لإنتاج هذا المسلسل القصير، الذي يعيد نفس الصور التي عهدناها مع قناة آرتي طوال عقدين من الزمن.
تقدم الجزائر في هذا المسلسل على أنها “دولة معادية”، حسب كاتب السيناريو ذي الميولات اليسارية، والذي قلده وسام الفنون والآداب فريديريك ميتران، وهو ابن شقيق وزير العدل، خلال فترة الاستعمار.
وتُصور الجزائر على أنها “بلد فاسد”، “لا حكم فيه”، يأوي “طغمة عسكرية شريرة” ومعارضين، غالبًا ما يكونوا من الإسلاميين “اللطفاء”، على خلفية عنيفة ولا تطاق.
ولجعل الصورة أسوء، والترويج لها على هذا الأساس، صُوّر الممثل الرئيسي على أنه فعلا عميل أجنبي ودود، وقع في حب جزائرية (في هذه الحالة قاضي)، والذي لخصت قناة “سي نيوز” (CNews) صورته بابتهاج فيما يلي: “عندما يتم اختطاف تاجر أسلحة، يجدون أنفسهم أمام تضارب المصالح الذي سيضع حبهم على المحك، على خلفية الفساد والنضال من أجل تكريس الديمقراطية في بلد يقوده نظام منهك”.
ولا يعد هذا أول انتاج تُسيء فيه قناة “آرتي”، وقنوات تلفزيونية عمومية الفرنسية، للجزائر إذ تصورها كبلد نموذجي في الفوضى السياسية ينافس غالبا الضحيتين المفضلتين لمبرمجي هذا التلفزيون، وهما الصين وروسيا، ككبش فداء مفضل لدى هذه القناة.
إن ميل وسائل الإعلام الفرنسية لإعطاء الدروس لا يقتصر على “النظام” لأن منتجات أخرى قد انتهى بها الأمر حتى إلى جعل أصدقائهم من الحراك يتفاعلون مع ذلك، وهم الذين تم تصويرهم على أنهم شباب غير ناضجين سياسيًا.
فما الذي يمكن انتظاره من قناة تقدم صكا على بياض (أو صك ببساطة) لجميع الانجازات غير اللائقة لبرنارد هنري ليفي، مخرب ليبيا ومولت له 12 فيلما بعشرات الملايين من الأورو، تبين بعد ذلك انها اخفاقات تجارية.
ما الذي ننتظره من قناة تتراوح معالجتها للأحداث التاريخية بين المقدس لما يتعلق الأمر بمعسكرات الاعتقال لليهود والكاريكاتورية حينما يتعلق الأمر بالحديث عن بلد عربي.
وما الذي يمكن انتظاره أيضا من قناة تمثل وسيلة لنخبة أوروبية يبدو أنها تعاني هوسا لمعرفة مصير شعوب بلدان الجنوب أفضل من هذه الشعوب نفسها.
إن كان الخيال حرا، النقد هو كذلك إذ ان كاتب السيناريو الفرنسي الجزائري لا يخفي صلاته خارج الفنية حيث يصرح بتخمينات تقريبية يمكن التحقق منها ما يلي: “تعلمت في أبحاثي على سبيل المثال أنه في 2014 فتحت ألمانيا مصانع لتركيب المركبات العسكرية في الوقت الذي يحتاج فيه الشعب لشيء أخر”.
فيبدوان عبد الرؤوف ليس كاتب سيناريو فحسب بل خبير أيضا في التسليح ووزير صناعة وخبير في الجيو-سياسة وعالم اجتماع للأمة الجزائرية كذلك.
المؤسف والمحزن في هذا المسلسل القصير هو انتاجه بأموال دافعي ضرائب فرنسيين وألمان لم تتم استشارتهم. فقناة أرتي يمولها الثنائي الفرنسي الألماني بـ140 مليون أورو وتستفيد من اعانات الاتحاد الأوروبي منذ 20 سنة من أجل انتاج أفلام وثائقية محرفة تحت غطاء “اليقظة التحريرية”.
في نهاية المطاف، “الجزائر سري” لا يعدو أن يكون سوى برنامج آخر أفرزته أموال دعم ذاتية وموجهة دون الأخذ بعين الاعتبار ذوق الجمهور، ذلك لأن في قناة أرتي “الجمهور” لا يفكر، وأن “السري” في النهاية هو نسبة المشاهدة المقدرة بـ1.3 بالمائة في فرنسا و2.9 مع ألمانيا.
وإذ يعاب دوما على الجزائريين هوسهم بخصوص المساس بسلامة بلادهم أو محاولات التدخل الدبلوماسية أو الثقافية، فإن الأمر حقا كذلك.
فلطالما فضل الانتاج السمعي البصري والثقافي حول الجزائر تلك الزاوية الأوروبية المثبطة بالضرورة والتي يتم التعبير عنها أحيانا ببرلمان ستراسبورغ أو ببروكسل أو على قناة آرتي.
وإن كنا حقا مهوسين فإنه يحق التساؤل لما تم انتاج هذا المسلسل القصير بنسبة كبيرة في المغرب الذي احتضن فرق قناة آرتي بصدر رحب.