لا شكّ في أن أي تحوّل فعلي في أي دولة ما يكمن في خوض التحدي الكبير نحو الإصلاح والتحديث وفق أهداف وأجندة محدّدة، وبأشخاص وآليات موائمين لما يراد أن يتحقّق على الأرض الواقع.
عندما تكلّم مالك بن نبي عن شروط النهضة، أوضح أن الإنسان والتراب والزمن، هم لب هذا التحوّل ومرتكزه، إذ أن تأهيل الأفراد وتطوير قدراتهم ووضع الخطّط المنهجية لتسيير كفاءتهم هي الشرط الأهم ليصبح التراب قاعدة لتشكيل الواقع كما ينبغي، إن التراب في حقيقته هو الأشياء التي تقع بين أيدينا و ننتجها أو نستخرجها، من سلع وثروات، يحوّلها الفكر والذكاء إلى أدوات خالصة لبناء الحضارة وترقية حياة الإنسان، ولا يمكن لأي حضارة أن تنمو أو تتطوّر بدون مراحل زمنية تبدأ فيها المشاريع العظيمة صغيرة ثم تنمو مع الزمن لتكبر وتتعاظم.
إن تحويل التراب إلى أشياء ليصبح قوة حقيقية بحاجة لقدرات محلية مؤهلة توجد في مكانها الصحيح فــ»لا يمكن لشعب أن يفهم أو يحل مشكلته إذا لم يرتفع بفكرته إلى الأحداث الإنسانية، وإذا لم يتعمّق في فهم العوامل التي تبني الحضارات أو تهدمها»، فالقاعدة الذهبية للقيام بالتحوّل والنمو تكمن في التمكين للمعرفة وبناء بيئة نمو واستقرار في السياسات والتوجّهات المضبوطة والمُحكمة، فأكبر المخاطر تنتج عن تبني سياسات ظرفية غير مُمتدة أو مُنتجة ولا تشكل حلقة فعلية في مسار النهضة.
إن «الحضارة هي التي تلد مُنتجاتها»، ولا يمكن أن تنمو حضارة من دون شروط أو بيئة تصنع الفوارق وتصهر الأشياء في بوتقة التنامي، في ضوء واقعية اقتصادية تحقّق المصالح الفعلية للدول. ولهذا ألف سمير سعيفان كتابا سماه» تجربة الصين الاقتصادية، حزب شيوعي يبني اقتصادا رأسماليا»، يتطابق مع فكر بن نبي الذي يرى ضرورة توجيه الرؤية نحو الاقتصاد والتركيز على التعامل البراغماتي والواقعي مع التحديث والتنمية والتأسي بعبارة رئيس الصين الراحل «دينج شياو بنج» الذي نقل الصين من البؤس للعظمة، «لا يهم لون القط ولكن المهم أن يقتل الفأر».
إن أي نهضة أو صعود كذلك بحاجة لروح معنوية دافعة وتحفيز شعبي كبير، وإيقاظ لمشاعر الاعتزاز والوطنية، فضلا عن الصدع عاليا بالقيم التي تُحفّز الشعب ليرتقي بسلوكه وعمله من أجل تحقيق حاجاته الملحة ومكانته بين الأمم.
موقع الشعب يستخدم نظام الكوكيز. استمرارك في استخدام هذا الموقع ، فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط. تفضل بزيارة سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط . موافق