من القصيدة وبحور الشعر، يسافر الشاعر والكاتب الأردني زيد الطهراوي في دروب الكتابة الأدبية والنقد مخلفا وراءه دواوين ومقالات ومسجلا اسمه في العديد من الكتب الجامعة الهامة. آخر إصداراته «بلسم المسفات» وهو الآخر سفر في أعمال الكثير من الأدباء والكتّاب العرب، ومجموعة من مقالات كتبها الطهراوي عنهم، فجمعها ليقرّب بها المسافة بينهم وبين المتلقي.. والذي يكشف لنا في هذا الحوار عن محطاته إلى جانب آرائه حول المشهد الثقافي العربي، النقد والترجمة، النشر الالكتروني وقضايا أخرى.
“الشعب ويكاند”: صدر لكم مؤخرا كتاب «بلسم المسافات»، هو عمل جمعتم فيه العديد من المقالات الأدبية النابعة من قراءات لكم في كتب وأعمال كثير من الأدباء، وضمّنتم كل منها رأيكم الخاص، كيف تصنّفون هذا الإصدار؟
زيد الطهراوي: في البداية أشكركم جزيل الشكر على هذا الحوار الذي أسعدني كثيراً وذلك للالتقاء بكم وبقرائكم الكرام. بلسم المسافات هو كتاب مقالات أدبية، وهو آراء في الشعر والأدب، وأصل هذا الكتاب مقالات كنت أنشرها في صحيفة الحوار الجزائرية في الصفحة الأدبية التي كان يحرّرها الصحفي الجزائري سمير تملولت وقد حاولت أن أضع بعض الآراء التي تتعلّق بالشعراء والأدباء ومعاناتهم في حياتهم ومسيرتهم الأدبية وبعض الآراء التي تتعلّق بالقضايا الأدبية مثل «التناص بين مؤيديه ومخالفيه» و»الأديب والمتلقي».
ما المغزى من عنوان «بلسم المسافات»؟
المغزى من عنوان الكتاب «بلسم المسافات»: هو أن الجزء الأكبر منه ناقش حياة الأدباء ومعاناتهم فكانت هذه المعاناة مصاحبة للإبداع فهذه المسافات التي قطعوها بالحزن والشقاء خُتمت لهم ببلسم الإبداع الذي ذاقه القراء في حياة هؤلاء الأدباء وبعد وفاتهم.
أكثر تفاصيل عن الإصدار ولمن تطرّق من الأدباء والكتاب ؟
هذه مقالات لي في الأدب؛ جمعتها من قراءات في الكتب، أو استماع إلى لقاء مع أديب، وضممت لها رأيا لي، لا ألزم به أحدا أحببت أن تكون هذه المقالات أشبه بالخواطر، فجمال النص يكمن أحيانا في لفت الانتباه إلى أمر مهجور، معلوم أو غير معلوم؛ فقد يعلم الشيء ولا يلتفت إلى ما فيه من أهمية إلا بعد تسليط الأضواء عليه وقد نشرت الكثير من هذه المقالات في البدء في رواق الأدب في صحيفة الحوار الجزائرية التي كان يحرّرها الصديق الإعلامي «سمير تملولت» فلاقت استحسانا، مع اختلاف البعض معي في الرأي في جزئية معينة، وهذا يثري المواضيع المطروحة بالأفكار المتعدّدة، والحمد لله على توفيقه وكرمه لقد تجوّلت كثيرا في كتب الأدب والنقد، وتسلقت مع النقاد جبال الشعر والشوق والمعاناة التي كانت تمتلئ بإبداع الشعراء والكتاب، فكانت رحلة عذبة في كتب «شاكر النابلسي» مثل «مجنون التراب» وهو كتاب ضخم في فكر «محمود درويش»وفنه و»رغيف النار والحنطة»، الذي وضع فيه نقدا إبداعيا لعشرة من شعراء الحداثة وكانت الرحلة هذه أيضا عبقة بتجربة الناقد «إحسان عباس»، في كتبه الفريدة في النقد مثل: «اتجاهات الشعر العربي المعاصر»، ولا أنسى تلك الكتب التي كتبها الشعراء والكتّاب أنفسهم مثل «نزار قباني» الذي كتب»،قصتي مع الشعر» و»فدوى طوقان» التي كتبت» رحلة جبلية رحلة صعبة» و «الرحلة الأصعب» و»محمود درويش» الذي كتب» ذاكرة للنسيان» والذي جمع فيه جزءا من سيرته وآراءه في السياسة والأدب هذه الرحلة الثرية أظهرت عندي آراء في الشعر والأدب فصغت هذه الآراء في مقالات حرصت على أن تكون مثل الخواطر لا تفصيل فيها ولا إطالة، فليس المقصود منها بحثا يلم بكل صغيرة وكبيرة ولكن المقصود إضاءة تتميز بها هذه الآراء لا أكثر.
ما هي نظرتكم للمشهد الثقافي العربي اليوم مع زخم الإصدارت والمعارض؟
المشهد الثقافي مصدر للنمو المعرفي وهذا بالطبع للذين يتابعونه باستمرار مع الاعتراف أن هناك السمين وهناك الغث وهذا يؤكد على ضرورة نشر الوعي ومراقبة الإصدارات من المسؤولين عن دار النشر، فقد أدى زخم الإصدارات إلى وجود كتب تحتوي على أخطاء لغوية وعلمية فلا بد من تسليمها للمختصين لمراجعتها قبل الطباعة والنشر.
هل ترون أن الإعلام الثقافي يفي الإبداع والمبدعين ـ خاصة الأدباء منهم ـ حقهم في الترويج والتعريف بأعمالهم؟
قد تختلف تجربتي عن تجربة غيري ولكن إذا تحدثت بشكل عام فأستطيع القول، إن الإعلام يقوم بواجبه في دعم الكاتب والكتاب فالمسؤول في مجلة ورقية أو إلكترونية مثلاً يكون حريصاً على متابعة إنجازات الأدباء والعلماء، مع أن الكثير من القراء يبحث عن أمور بعيدة عن الثقافة كأخبار الفنانين التي لا تفيد شيئاً ولكن هذا لا يضر مسيرة المعرفة.
وأين مكانة النقد والترجمة اليوم في المشهد الثقافي؟
لقد سار النقد سيراً حثيثاً مع الإبداعات قبل حدوث الثورة في المعلومات المتمثلة بشبكة «الإنترنيت» ومواقع «التواصل الاجتماعي» ولكن بعد حدوثها كَثُرتْ الروايات ودواوين الشعر الورقية والإلكترونية فكان من الطبيعي أن لا يسيطر النقد على هذا التوسّع فافتقدنا التنظيم، ومع ذلك فإن النقد يقوم بمهمته خير قيام ولا يضر حركة النقد بعض المجاملات التي ترفع قيمة العمل الهابط مع خطورتها.
أما الترجمة فهي تتعلق بالنقد، لأن العمل الأدبي الذي وجد عناية من النقاد – بإبراز إيجابياته وتحليلها ونقد بعض السلبيات التي لا تقلل من أهمية هذا العمل الأدبي – فإنه سيحصل على حقه من الترجمة.
هل يقرّب النشر الالكتروني المسافات بين المؤلف والمتلقي وهل الرقمنة ملاذ آمن لمن لم تتح لهم فرصة النشر الورقي وهل المجال سليم ومحمي من السطو والسرقة؟
لا شكّ أن النشر الالكتروني يقرّب المسافات بين المؤلف والمتلقي خاصة أن الكتاب الإلكتروني له إيجابياته كسهولة القراءة، أما أن الرقمنة ملاذ آمن أو فرصة للنشر في حال عدم إمكانية النشر الورقي فهذا صحيح، لأن الكتاب الإلكتروني يمكن أن يُمحى من الموقع فيضيع، أما الورقي فإنه يبقى محفوظاً في المكتبات العامة والخاصة. والمجال ليس سليماً ومحمياً من السرقة لعدم وجود حقوق طبع وقد تنبّه المؤلفون لهذا الأمر فقاموا بطباعة القليل من النسخ الورقية ولو نسخة واحدة من اجل الحصول على وثيقة بحقوق الطبع الخاصة بهم.
ماذا عن مشاريعكم الأدبية المقبلة؟
على صعيد الشعر فقد أصدرت من قبل خمسة دواوين هي: هتاف أنفاس وسكوت وسنديانة الأشواق وحلم جريء وسماوات وعلى صعيد النثر أصدرت بلسم المسافات مقالات أدبية وكتاب خواطر هو على درب الوئام. ومسيرتي في الشعر سوف تستمر على نفس المنوال الذي وضحه النقاد وهو السير في طريق الشريعة الإسلامية السمحاء بكل ما فيها من قيم وسمو وأخلاق راقية.
أما في النثر فسوف أتابع ما بدأته في كتاب بلسم المسافات وقد أطيل النَّفَس في هذه المقالات في كتابي القادم لأن نشر مقالات بلسم المسافات في صحيفة ورقية أدى إلى قصر هذه المقالات لتتناسب مع ضيق الركن المتاح.
كلمة أخيرة؟
الكلمة الأخيرة تتعلّق بما تشهده الساحة الأدبية والفكرية بعد انتشار مواقع التواصل من تقارب الأدباء والشعراء والنقاد على اختلاف بلدانهم واختلاف مشاربهم وتوجهاتهم، مما يؤدي إلى الاستفادة في حال سعة الصدر والحوار البنّاء أو إلى النفور
وتضييع الوقت في المشاحنات والجدال العقيم، إذا أصغينا إلى العناد وفرض الآراء فنحن في حالة اختبار إذا نجحنا به، فإننا نصل إلى بناء الحضارة والرقي في كافة المجالات.