كما كان متوقّعا حصل الطّلاق بين مالي وفرنسا، وقرّرت هذه الأخيرة سحب قواتها من مستعمرتها السابقة لتطوي بذلك 9 سنوات من الوجود العسكري، الذي انتهى إلى فشل ذريع بالنظر إلى تزايد التهديد الإرهابي بدل انحساره، وتوسّع رقعته الجغرافية وتمدّدها إلى الدول المجاورة، التي أصبحت هي الأخرى لا ترى جدوى من المساعدة العسكرية الفرنسة، وبدأت تفكّر ليس فقط في عقد اتفاقيات دفاعية مع دول أخرى، بل امتدّ بها الأمر إلى درجة التفكير في تبني مقاربة جديدة تقوم على مفاوضة الإرهابيين للتخلّص من شرهم.
تعتقد فرنسا بأنّ مشكلتها مرتبطة بخلافها مع المجلس العسكري الحاكم في مالي، وتتوهّم بأنّ قيادته الشابة التي قامت بانقلابين عسكريين في ظرف سنة، هي من يقف وراء تنامي الشعور المعادي لها والرافض لوجودها العسكري، لكن غاب عن باريس أن موقف القيادة الحاكمة في باماكو الرافض للوجود الفرنسي يتشاركه كل الشعب المالي، الذي خرج في أكثر من مناسبة الى الشوارع ليطالب بإنهاء عملية «بارخان» التي لم تجلب له لا الأمن ولا الاستقرار، وليدعو إلى التحرّر من هيمنة فرنسا التي كل ما يهمها هو مصالحها وقواتها المنتشرة في الساحل، هدفها الوحيد هو حماية هذه المصالح.
باريس فتحت نيرانها على المجلس العسكري الحاكم في مالي، وسلّطت عليه دول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا «إيكواس» لتخنقه بعقوباتها وحصارها، متجاهلة بأن ما يعبّر عنه حكام مالي جهرا باتت شعوب الساحل كلّها تؤمن به وتصدح به في كلّ مناسبة، فالمظاهرات المناوئة لفرنسا أصبحت تنظم في بوركينا فاسو وتشاد والنيجر وفي كلّ مكان، وعلى قادة الإليزي بدل المكابرة والتعنّت، أن يفهموا الرسالة ويستوعبوا موجة العداء التي تستهدف وجودهم العسكري في القارة، ليدركوا بأن زمن فرنسا في مالي انتهى، وحتى إعادة انتشار قواتها في دول أخرى لن يجدي نفعا، لأنّ الكلمة اليوم للشعوب، ما يعني أن موقف مالي قد يتكرر في دول أخرى لتطرد القوات الفرنسية شرّ طردة، ثم ما شأن باريس إن قرّرت باماكو طلب مساعدة «فاغنر» أو غيرها، أليست دولة مستقلّة وقراراتها سيادية أم أن فرنسا ما زالت تعتبرها مستعمرة بلا سيادة؟
المؤكّد أنّ فرنسا فشلت في محاربة الإرهاب في مالي وعموم الساحل، وعليها أن تستوعب هذه الحقيقة لتترك دول هذه المنطقة تقرر المقاربة التي تراها أنجع للتخلص من الدمويين، وتختار بكل حرية شركاءها ومعاونيها.
وعلى فرنسا أيضا أن تقتنع بأن زمنها انتهى، وبأنّها لم تعد اللاعب الوحيد في الملعب الإفريقي.
موقع الشعب يستخدم نظام الكوكيز. استمرارك في استخدام هذا الموقع ، فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط. تفضل بزيارة سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط . موافق