أيّا كانت الخلافات بين موسكو وكييف، وأيّا كانت الأسباب والاستفزازات التي أثارت الدبّ الروسي ودفعته للتدخل العسكري في أوكرانيا، فإنّ الحقيقة الثابتة التي لا يمكن لأحد أن يخالفها، هي أنّ الحرب لم تكن يوما حلاّ أو أسلوبا للتفاهم، فهي في كلّ الظروف والأحوال أفظع خيار يمكن اللجوء إليه لأنّ نتائجها البشرية والمادية كارثية، إنّها تحصد أرواح الأبرياء وتشرّد الناس الآمنين، وتدمّر ما تم تشييده خلال عشرات السنين بضربة صاروخ واحدة.
الأزمة بين روسيا وأوكرانيا اللتين كانتا قبل ثلاثة عقود تنتميان لدولة واحدة وتستظلان بنفس الراية، بدأت صغيرة وأخذت تكبر ككرة الثلج بعد أن تدخّلت فيها أطراف خارجية استغلّت الفرصة لتصب الزيت على النار، وتؤجّج الخلاف وتجرّ روسيا إلى مستنقع الحرب من خلال دفع كييف إلى استفزاز موسكو عبر تصميمها على الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وهو الخط الأحمر الذي حدّدته موسكو حتى لا تصحو يوما على «الناتو» وهو يسرح ويمرح في حديقتها الغربية.
وكان بإمكان أوكرانيا العدول عن فكرة الانضمام إلى «الناتو»، وتبديد هواجس ومخاوف روسيا الأمنية، لكنّها على العكس تماما عاندت وغالبت وأصرّت على استفزاز موسكو بدفع من أوروبا وأمريكا، التي نصبت فخّا لكييف بعد أن طمأنتها بأنّها تحمي ظهرها، وتقف إلى جانبها، وفي النهاية لمّا وقع الفأس في الرّأس وجدت كييف نفسها وحيدة في مواجهة روسيا الدولة القوية التي تدرك جيّدا بأنّ الخلاف يتجاوز أوكرانيا والمواقف المتعنّتة التي أصدرها رئيسها بسذاجة، كانت بتلقين من الغرب الذي كان يبحث عن ذريعة لفرض مزيد من العقوبات القاسية على روسيا قصد إضعافها بعيدا عن الحرب التي ستكون مكلفة للجميع.
اليوم، الحرب أصبحت أمرا واقعا في أوكرانيا، وما نراه ونسمعه من الدول التي دفعت نحو هذا المنحدر، هو المزيد من التأجيج، والتحشيد والتجييش، ولا نكاد نسمع صوتا هادئا يدعو إلى إسكات صوت القصف والقنص، وفتح باب الحوار، على الأقل من أجل إنقاذ المدنيّين الأبرياء الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها في معاناة حقيقية يبحثون عن ملجأ يحميهم من مواجهة لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
الفترة العصيبة التي يمر بها الأوكرانيون، لا يتمنّاها عدوّ لعدوه، لهذا يجب تدخّل طرف ثالث لإطلاق مفاوضات تحل الخلاف وتخمد الحرب.